في زمنٍ كانت به الصحراء تلد الرجال كما تلد الأم أبناءها، وُجد فارس لا يشبه غيره… فارس يجمع بين سيفه وشعره، بين ضحكته وكرمه، بين صموده وحنانه. هو الشيخ والفارس والشاعر سليمان ارفيفان المجالية … الذي ما ذُكر اسم الضيافة إلا وكان أول الحاضرين، وما ذُكرت الشونة والاغوار إلا وكان سيّدها.
كان بيته بابًا مفتوحًا، لا يغلق أمام غريب ولا سائل، وكان قلبه أوسع من أرض الأغوار نفسها. كل من طرق بابه نال نصيبه من الكرم، وكل من ذكر اسمه شعر بالأمان. حتى الناس إذا أرادوا وصف الكرم و النخوة قالوا: "مثل نخوة سليمان الشونة ..
وفي يومٍ لا يُنسى، جاء عشرة رجال مع نساء من منطقة الكرامة يحملوا في وجوههم رجاءً وقلقًا. قصدو سليمان، فاستقبلهم كما يستقبل الفارس وفد الملوك. جائوا يطلبوا العون من شقيقه حابس أبو سطام، فابتسم سليمان ابشرو .. اتصل بشقيقه ابو سطام
وقال ..
يا حابس يا ضو العيون والخيّال
جَنّ بناتنا من الكرامة يطلبن الحال
يسألن عونك، وفعلك ما به جدال
تسبق فعولك كل طيبٍ وكل رجال
سليمان الشونة ينخاك: يا حابس الوفا
يا ملجأ الغريب، يا عزّ ما ينطَفا
(( رد ابو سطام على شقيقه سليمان ))
يا سليمان لا تنخى، أنا حابس رفيق
دمّي على درب النشامى دومٍ عتيق
ما نخذل الحرمة ولا نرخي الحبال
والجار والضيف بظل سيفي له مجال
حينها ارتفعت القصائد بين الإخوة كما ترتفع سيوف الفرسان في ساحة الوغى، وكأن الشعر صار جسرًا للوفاء بينهم، وامتزجت الكلمة بالكرامة حتى صارت رواية تُحكى.
كان سليمان يُحب الأغوار كما يحب الشاعر قصيدته الأولى، حتى لُقِّب بـ سليمان الشونة. ومن بين بساتينها ونسائمها، أنشد يقول:
"يامحلا مسكن الغيران … وبليتن بردها شيني
واسمع هداوي لبو علوان … يا طبلته تنعش الراسي"
فغدت أشعاره تغنى مثل النوارس التي تحوم فوق نهر الأردن، تُنعش القلوب وتروي الحكايات.
رحل سليمان في ريعان شبابه، لكن سيرته لم ترحل… بقيت كنجمةٍ تضيء ليل المجالية، وبقي صوته يتردد في الأغوار: فارسًا بالكرم والنخوة ، شاعرًا بالعاطفة، وأخًا بالوفاء.
رحمه الله، فقد أحب الأرض… فبادلته الأرض الحب، وأحب الناس… فحملوه في قلوبهم أسطورةً لا تموت .