في قلب محافظة الكرك، المدينة التاريخية التي تحمل في طياتها إرثاً حضارياً يمتد إلى العصور القديمة، برز اسم محمد المناصير كرمز للتجديد الإداري والإصلاح السريع. تولى المناصير رئاسة بلدية الكرك الكبرى في منتصف عام 2025، بعد سلسلة من التغييرات الإدارية أدت إلى استقالة الرئيس السابق محمد المعايطة، وكان ذلك بقرار حكومي يهدف إلى تعزيز الكفاءة في الإدارة المحلية. وفي غضون شهرين فقط، أحدث المناصير تحولاً ملحوظاً، حيث أصبحت البلدية نموذجاً للكفاءة والشفافية، مما يثير تساؤلات حول آليات التعيينات الحكومية ودور الانتخابات في اختيار القيادات.
أسلوب الإدارة: نهج حديث يعتمد على الشفافية والمشاركة
يتميز أسلوب إدارة المناصير بالتركيز على المتابعة اليومية والمباشرة للعمليات الإدارية، بعيداً عن الروتين التقليدي الذي يعاني منه الكثير من المؤسسات المحلية. في حديثه مع برنامج "صوت الحقيقة" على قناة الحقيقة الدولية، وصف المناصير الوضع الذي ورثه: "عند الاستلام، كان الواقع صعباً للغاية؛ تراكم النفايات في الشوارع، طمم تعيق الحركة، شوارع متآكلة تحتاج إلى صيانة عاجلة، بالإضافة إلى وضع مالي معقد يشمل ديوناً متراكمة على المواطنين تصل إلى 12 مليون دينار أردني". لم يقف المناصير عند التشخيص، بل أطلق حملات مكثفة للتنظيف والصيانة، مدعومة بفرق عمل ميدانية تعمل على مدار الساعة، مع الاستعانة بتقنيات حديثة لإدارة النفايات الصلبة.
كما أدخل نظاماً للمتابعة الإلكترونية للشكاوى، مما يسمح للمواطنين بتسجيل مطالبهم عبر تطبيق هاتفي مرتبط بموقع البلدية الرسمي. هذا النهج لم يقتصر على الجانب التقني، بل امتد إلى تعزيز الشراكات مع الجهات الحكومية والدولية، مثل برنامج USAID لدعم البلديات، الذي ساهم في تعزيز الاستثمارات الرأسمالية في البنية التحتية. النتيجة؟ تحسن ملحوظ في مستوى النظافة بنسبة تصل إلى 70% في المناطق الحضرية، وصيانة أكثر من 50 كيلومتراً من الشوارع الرئيسية في فترة قياسية.
تغييرات سريعة لصالح البلدية ومكافحة الترهل الإداري
ما يجعل حالة المناصير استثنائية هو السرعة في تحقيق التغييرات. في الشهرين الأوليين، نجح في مكافحة "الترهل الإداري" الذي يعصف بالعديد من البلديات الأردنية، من خلال إعادة هيكلة الأقسام الإدارية وتدريب الكوادر على مبادئ الإدارة الحديثة. أطلق حملة لتسوية الديون المتراكمة، مما خفض العبء المالي على المواطنين وأعاد الثقة في الجهاز الإداري. كما ركز على تعزيز الشفافية المالية، حيث نشرت البلدية تقارير دورية عن الإنفاق، مما قلل من حالات الفساد المحتملة وأعاد الحيوية إلى ميزانية البلدية.
من أبرز الإنجازات، تطوير مشاريع البنية التحتية مثل إصلاح شبكات الصرف الصحي في الأحياء الشعبية، وإطلاق برامج للزراعة الحضرية بالتعاون مع مديرية الزراعة، مما ساهم في تحسين المناخ البيئي. هذه التغييرات ليست مجرد إصلاحات سطحية، بل هي خطوات استراتيجية تضمن استدامة التحسن، حيث أشاد بها المواطنون في استطلاعات رأي محلية، معتبرين أنها "أعادت الحياة إلى مدينة الكرك".
متابعة شؤون المواطنين: الاقتراب من الناس أولوية
لم يغفل المناصير عن الجانب الإنساني في إدارته. أصبحت متابعة شؤون المواطنين محوراً رئيسياً، من خلال إقامة اجتماعات أسبوعية مفتوحة في مقر البلدية، حيث يستمع مباشرة إلى الشكاوى ويتابع تنفيذ الحلول. هذا النهج المباشر أدى إلى حل أكثر من 80% من الشكاوى المتعلقة بالخدمات الأساسية في غضون أسابيع، سواء كانت تتعلق بالنفايات أو إصلاح الطرق أو حتى دعم الأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية. يقول أحد المواطنين، أبو أحمد من حي السلط: "لأول مرة نشعر أن صوتنا مسموع، المناصير ليس مجرد رئيس، بل شريك في حياتنا اليومية".
بماذا يختلف الرئيس المنتخب عن رئيس اللجنة المعين؟
هنا تكمن الإشكالية التي يثيرها نجاح المناصير. كرئيس للجنة معينة حكومياً، يتمتع بصلاحيات واسعة واستقلالية في اتخاذ القرارات، بعيداً عن ضغوط الانتخابات والتحالفات السياسية التي غالباً ما تعيق الرؤساء المنتخبين. الرئيس المنتخب، كما في حالة المعايطة السابق، يواجه تحديات التوازن بين الوعود الانتخابية والواقع المالي، مما قد يؤدي إلى بطء في الإصلاحات. أما المناصير، فكان حرياً في فرض رؤيته الإصلاحية دون عوائق، مما يبرز الفارق في الفعالية. لكن، هل هذا يعني تفوق النظام المعين؟ أم أنه يعكس حاجة إلى إصلاح آليات الانتخابات لضمان كفاءة أعلى؟
لماذا لا تعتمد الحكومة على أمثال المناصير في إدارة المؤسسات التي تحتاج إلى إصلاح؟
نجاح المناصير يفتح الباب أمام تساؤل أكبر: لماذا لا تتبنى الحكومة نهجاً يعتمد على قيادات مثل المناصير في المؤسسات الراكدة، سواء كانت بلديات أخرى أو جهات حكومية تعاني من الترهل الإداري؟ في وقت تشهد فيه الأردن حملات للإصلاح الإداري، يمثل المناصير دليلاً حياً على أن الثقة في الكفاءات المحلية، سواء منتخبة أو معينة، يمكن أن تحول المعادلة. ربما حان الوقت لتوسيع هذا النموذج، ليصبح قاعدة لا استثناء، من أجل أردن أكثر كفاءة وعدالة.
في الختام، يبقى المناصير حالة استثنائية تذكرنا بأن التغيير ممكن، إذا ما توفرت الإرادة والكفاءة. والكرك، بفضل هذا الرئيس، تعود إلى بريقها التاريخي، معلنة عصرًا جديدًا من التنمية المستدامة.