حين نستذكر سيرة الرجال العظام، تطالعنا حياة المرحوم العميد الركن المتقاعد راكان مشاش الخريشا، رجل عاش من أجل وطنه ورحل تاركًا أثرًا خالدًا في ذاكرة الجيش العربي والعشائر الأردنية.
ولد الخريشا في الموقر عام 1937، وكبر على قيم الرجولة والوفاء، فالتحق بالقوات المسلحة الأردنية عام 1952 وهو في مقتبل العمر، ليبدأ رحلة العطاء والشرف، متنقلًا بين المواقع والواجبات حتى ارتقى إلى رتبة عميد ركن. لم تكن رتبته مجرد منصب، بل شهادة صادقة على إخلاصه وانتمائه للأردن وقيادته الهاشمية.
شارك الفقيد في أصعب المحطات الوطنية وأكثرها قسوة، فكان حاضرًا في حرب الأيام الستة، حيث أصيب بجراح خطيرة وعاش أيامًا عصيبة بين الحياة والموت في المستشفى الإيطالي. لكنه نهض مجددًا ليكمل المسيرة، وليكون حاضرًا في معركة الكرامة، المعركة التي خلدت شرف الأردنيين وعزيمتهم. كما شهد أحداث أيلول، ووقف صلبًا إلى جانب وطنه في أصعب الظروف.
كان الراحل قائدًا حقيقيًا، أسس كتيبة الأمير حسن، وتولى قيادة أركان لواء اليرموك لسنوات، ثم اختتم خدمته قائداً لمنطقة عمان، حيث عرفه الجميع بالعدل والحزم والرحمة في آن واحد. منحته الدولة وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، ووسام النهضة، وأوسمة عسكرية أخرى، لكنها تبقى أقل من أن توفيه حقه أمام مسيرة طويلة من البذل والتضحية.
لم يكن راكان الخريشا رجل حرب فقط، بل كان رجل إصلاح وحكمة بين عشائر الأردن، يسعى دائمًا لخير الناس، ويمد يده ليطفئ نار الخلاف ويزرع المحبة. ولهذا أحبته القلوب قبل أن تحترمه العقول، وبقي اسمه حاضرًا في المجالس والسير الشعبية كرمز للوفاء والشهامة.
في الرابع والعشرين من أيار عام 2003، ترجل الفارس عن صهوة الحياة، تاركًا فراغًا لا يُملأ، وحزنًا عميقًا في قلوب أهله ومحبيه ورفاق سلاحه. رحل العميد الركن راكان الخريشا بعد حياة عامرة بالعطاء والوفاء، لكنه بقي خالدًا بسيرته وبما قدمه لوطنه ولجيشه ولعشيرته.
رحم الله فقيد الوطن الكبير، وأسكنه الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين، وجعل ذكراه الطيبة نبراسًا للأجيال القادمة.