اللزاقيات، أو كما تُعرف شعبيًا بـ"كنافة البدو"، ليست مجرد حلوى تقليدية تُقدَّم في المناسبات، بل هي مرآة للتراث البدوي الأصيل الذي يجمع بين البساطة في المكونات والغنى في الطعم والقيمة الثقافية. هذه الحلوى التي نشأت في قلب الصحراء، تحمل عبق التاريخ البدوي الذي جعل من كل لقمةٍ قصةً عن الكرم والدفء والهوية.
من رحم الصحراء وذاكرة الرحّل
تعود أصول اللزاقيات إلى العصور الإسلامية المبكرة، حين كانت حياة البادية تقوم على الرحيل، وكان البدوي يبحث عن طعامٍ سهل التحضير وغني بالطاقة. ومع توافر الدقيق والسمن والسكر من إنتاجه المحلي، ابتكر البدو هذه الحلوى التي تُعدّ اليوم من رموز المطبخ الأردني البدوي.
تُصنع اللزاقيات من عجينة رقيقة تُشوى على الصاج، وتُحشى بالسمن البلدي والسكر، فتتشكل طبقاتها الذهبية الرقيقة التي تشبه الكنافة النابلسية في الشكل، لكنها تختلف عنها بالجوهر والبساطة.
كنافة البدو.. رمز الكرم والضيافة
في حياة البادية، كانت اللزاقيات تُحضّر في المناسبات الاجتماعية، من الأفراح إلى استقبال الضيوف، لتُقدَّم على النار الطازجة مع القهوة العربية. وكانت تُعتبر من مظاهر الكرم، حيث يقال: "من قدم لك اللزاقيات فقد أكرمك من قلب الصحراء".
ومع مرور الزمن، انتقلت هذه الحلوى من خيام البدو إلى القرى والمدن الأردنية، فغدت طبقًا وطنيًا حاضرًا في المناسبات الشعبية والمهرجانات التراثية.
التطور والحضور في الثقافة الأردنية
منذ القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، رافقت اللزاقيات التحولات الاجتماعية التي عاشها أهل البادية، فكانت تُحضّر في موسم الشتاء وأيام قطف الزيتون، وتُعدّ رمزًا للتواصل الاجتماعي.
ومع التحضّر، احتفظت اللزاقيات بمكانتها في المطبخ الأردني، حتى أصبحت اليوم تُقدَّم في المهرجانات الثقافية والمعارض التراثية التي تحتفي بعادات وتقاليد البادية، وتُدرّس وصفتها في ورش الطبخ الشعبي للحفاظ عليها من الاندثار.
التحديات والحفاظ على الأصالة
رغم منافسة الحلويات الحديثة، ما زالت اللزاقيات تحافظ على مكانتها بفضل عشاق التراث الذين يسعون إلى نقل الوصفة للأجيال الجديدة. وتعمل الجمعيات التراثية والهيئات السياحية على إحياء هذا الإرث البدوي من خلال تقديمها في الفعاليات والمطاعم الشعبية، ضمن تجربة الضيافة البدوية الأصيلة.
اللزاقيات.. ليست مجرد حلوى، بل قصة صحراءٍ عرفت كيف تُحوّل بساطة المكونات إلى مذاقٍ خالد.
هي كنافة البدو التي تحكي عن الأصالة والكرم، عن نار الحطب ودفء السمن، وعن هويةٍ تمتد جذورها في رمال الصحراء، لا تزال تعبق برائحة الماضي الجميل.