يُعدّ الشاي أحد أقدم المشروبات التي عرفها الإنسان، وثاني أكثرها استهلاكاً بعد الماء، حيث يمتد تاريخه لآلاف السنين، حاملاً معه حكاية حضارة، وتاريخ تجارة، وطقوس ضيافة لا تنتهي.
البدايات في الصين.. قصة إمبراطور وورقة سقطت صدفة
تعود أصول الشاي إلى الصين حوالي عام 2737 قبل الميلاد، حين اكتشفه الإمبراطور الأسطوري شن نونغ. ووفق الأسطورة، سقطت بعض أوراق الشاي في إناء ماء مغلي أمامه، فأعجب بطعمها ورائحتها، ليبدأ الإنسان رحلة جديدة مع هذا المشروب الذي استخدم أولاً لعلاج التعب وتحسين الهضم.
من دواء إلى ثقافة يومية
مع مرور الزمن، تحوّل الشاي في عصر تانغ (618–907 م) إلى جزء من الحياة اليومية الصينية، بل وكتب عنه المفكر لو يو في كتابه الشهير "تشا جينغ" أو كتاب الشاي عام 760 م، الذي أرّخ لزراعته وتحضيره وثقافته. ومن الصين، عبر الرهبان البوذيون بالشاي إلى اليابان، حيث نشأت منه مراسم الشاي اليابانية التي تجمع بين التأمل والجمال والاحترام.
رحلته إلى العالم العربي
دخل الشاي إلى المنطقة العربية عبر طرق الحرير في القرن التاسع الميلادي، وذكره الطبيب الرازي بوصفه نباتاً نافعاً للجسم. وسرعان ما أصبح مشروباً يومياً في بلاد الشام ومصر والمغرب، وارتبط بمفهوم الضيافة والكرم العربي.
من الصين إلى أوروبا.. وولادة تجارة عالمية
في القرن السابع عشر، وصل الشاي إلى أوروبا عبر الهولنديين ثم البريطانيين. وساهمت الملكة كاثرين من براغانزا في نشر ثقافته داخل القصور البريطانية. لاحقاً، احتكرت شركة الهند الشرقية البريطانية تجارته، وبدأت بزراعته في الهند وسيلان (سريلانكا حالياً)، لتتحول أوراق الشاي إلى واحدة من أهم السلع في الاقتصاد العالمي.
من المزارع إلى الأكياس الجاهزة
مع الثورة الصناعية، تغيّر وجه صناعة الشاي، حتى جاء عام 1908 ليشهد اختراع أكياس الشاي على يد التاجر الأمريكي توماس سوليفان، في صدفة غير متوقعة. ومنذ ذلك الحين، أصبح تحضير الشاي أسهل وأسرع، وازداد انتشاره في كل بيت حول العالم.
طقوس عربية لا تشبه غيرها
رغم وحدة الأصل، إلا أن طريقة تحضير الشاي تختلف بين الدول العربية:
في المغرب، يُقدم الشاي الأخضر بالنعناع في طقس احتفالي يعكس كرم الضيافة.
في مصر، يُعرف الشاي الأسود القوي باسم "شاي الكشري"، ويُشرب في المقاهي الشعبية.
في الخليج العربي، يُضاف إليه الهيل أو الزعفران، ليصبح "شاي الكرك" رمزاً للأصالة والنكهة الشرقية.
أنواع الشاي الأساسية
ينحدر جميعها من نبات واحد هو Camellia sinensis، وتختلف الأنواع بحسب المعالجة:
الشاي الأسود: مؤكسد بالكامل، ذو طعم قوي.
الأخضر: غير مؤكسد، يحتفظ بلونه وطعمه الطبيعي.
الأبيض: ناعم وخفيف، من الأوراق الصغيرة.
أولونغ: بين الأسود والأخضر.
بوير: مخمّر، يُعد من أقدم الأنواع الصينية.
الشاي اليوم.. لغة عالمية واحدة
تتربع الصين على عرش الإنتاج العالمي للشاي بنسبة تقارب 40%، تليها الهند، ثم كينيا وتركيا. أما في العالم العربي، فقد أصبح الشاي أكثر من مجرد مشروب؛ إنه رمز للمحبة والتواصل والضيافة.