جامعة العقبة للعلوم الطبية حين يلتقي المشروع
بالرجل المناسب
نيروز - بقلم النائب السابق المحامي محمد
ذياب جرادات
لم أكن أتوقع، قبل زيارتي الأخيرة لجامعة
العقبة للعلوم الطبية، أن أخرج بانطباع يختلف جذريًا عمّا كنت أحمله عن المؤسسات الجامعية
الحديثة في الأردن. فغالبًا ما تُولد الجامعات الجديدة برؤية طموحة على الورق، لكنها
تتعثر عند أول اختبار حقيقي: الإدارة.
غير أنّ لقائي مع رئيس الجامعة، الدكتور أمجد
الشطرات، كان نقطة التحوّل في قراءتي لهذا المشروع كله. شعرت بأنّ الرجل لا يدير جامعة
فحسب، بل «يقود فكرة»… فكرة أن يكون للجنوب صرح طبي قادر على تغيير الواقع الأكاديمي
والصحي في المنطقة.
في جلسة امتدت لأكثر مما توقعت، لفتني أن
الدكتور الشطرات لا يتحدث بلغة المدّعين ولا يتصرف كصاحب صفة، بل يقدّم نفسه كصاحب
رؤية.
حديثه عن الجامعة لم يكن بروتوكوليًا، بل
مبنيًا على قناعة راسخة بأن مستقبل التعليم الطبي في الأردن يحتاج إلى نماذج مختلفة،
ونوعية، ومتخصصة.
كان يتحدث عن التدريب السريري كما لو أنه
حجر الأساس لا مجرد مادة تُدرّس. وعن المستشفى الجامعي كما لو أنه مشروع وطني قبل أن
يكون منشأة تابعة للجامعة.
والأهم… كان يتحدث عن الطالب باعتباره مشروعًا
مستقبليًا، لا رقمًا في قوائم القبول.
وأنا أتجول في الحرم، بدا واضحًا أن الجامعة
ما تزال في مرحلة البناء…
لكنها مرحلة بناء «هويّة» أكثر من كونها مرحلة
تجهيز مبانٍ.
المختبرات الحديثة، عيادات طب الأسنان، تجهيزات
كلية الطب، كلها مؤشرات بأن المشروع يمضي في الاتجاه الصحيح، لكن ما يجعل المشهد مختلفًا
هو وعي الإدارة بما ينقص، وما يجب أن يُبنى، وما يجب ألا يُستعجل.
فالجامعة لا تركض خلف التوسع السريع، بل تتقدم
بخطوات محسوبة؛ وهذه ميزة قلّما نجدها في مؤسسات التعليم الخاص.
يُخطئ من يظن أن الجامعة مجرّد مبادرة تعليمية
في مدينة ساحلية.
العقبة، تاريخيًا وجغرافيًا، كانت بحاجة إلى
مؤسسة طبية جامعية حقيقية، تُخفف من مركزية التعليم في الشمال والوسط، وتخلق بيئة أكاديمية
وصحية تلائم احتياجات الإقليم.
وبوجود مستشفى جامعي قيد الإنشاء بسعة كبيرة،
تبدو الجامعة وكأنها تضع لبنة مشروع سيغيّر وجه الجنوب أكاديميًا وصحيًا على حد سواء.
أدركت بعد لقائي مع الدكتور أمجد الشطرات
أن نجاح الجامعة ليس مرهونًا فقط بالمباني الحديثة أو التخصصات الطبية، بل بقيادة قادرة
على تحويل الفكرة إلى واقع.
فالرجل يتحدث بثقة العالم، وبهدوء المسؤول،
وبطموح من يعرف أن أمامه طريقًا طويلاً—لكنّه يعلم كيف يُعبّد هذا الطريق.
ومثل هذه القيادة هي ما تحتاجه المشاريع الوطنية
الكبرى؛ قيادة لا تكتفي بالشكل، بل تُمسك الجوهر، وتعمل بصمت، وتترك الأثر.
خرجت من الجامعة بقناعة واضحة:
جامعة العقبة للعلوم الطبية ليست صرحًا جديدًا
فحسب… بل مشروع يتشكل بعناية.
ومع وجود إدارة واعية يقودها د. أمجد الشطرات،
تبدو الجامعة أمام فرصة حقيقية لتكون نقطة تحول في التعليم الطبي جنوب الأردن، ونموذجًا
يُحتذى في كيفية بناء مؤسسة حديثة تستند إلى رؤية أكثر مما تستند إلى واجهات.
إنها جامعة تُراهن على المستقبل… بقيادة تعرف
تمامًا كيف تصنعه.
والسلام…