و الميدان شاهد والتراب يعرف الخطى والجبال تحفظ أسماء الرجال هنا تختبر القلوب وهنا يضع الوطن امتحانه الحقيقي ويقف الرجال في مواجهة أنفسهم قبل مواجهة العدو.
في هذا المكان وقف جلالة الملك عبدالله الثاني القائد الأعلى للقوات المسلحة بين رجال خدموا معه في القوات الخاصة فلم يحمل اللقاء شكليته المعتادة وانما كان عودة إلى الذاكرة وإلى الأرض التي تعرفه ويعرفها وإلى الساعات التي تمر ثقيلة كأنها الجبال.
نظر القائد إلى الوجوه التي شاركته الطريق وجوه رسمت عليها الشمس خطوط الصبر ورسم الليل عليها ظلال التعب. رجال يعرفون ما يعني أن تحمل الوطن على كتفيك وأن تنام وأنت تحرس حلمه ومستقبله وتستيقظ وأنت تحمي حدوده.
ابتسامة القائد كانت صادقة عفوية وكانت أعمق من أي خطاب وقالت لهم بصمت أنتم رجال الميدان وأنا واحد منكم والميدان يتكلم والذكريات تنطق وجمال الذكريات في حفظ التفاصيل.
تذكر الجنود خطواتهم الأولى في الخنادق وصوت الأوامر وصرير الصخور تحت أحذيتهم والصمت الذي يسبق الاشتباك واليقين الذي كان يجمعهم أن القائد بينهم لا خلفهم رجل يعرف قيمة الجندي ويعرف معنى أن تقف وحيدا في الظلام وتحمل مسؤولية وطن بأكمله في قلبك.
ولقد كان حظكم أيها الجنود وافرا وأكبر من حظنا فنحن لم نخدم بين صفوف أبطال الميدان فأنتم تعرفون التراب والصخور والغبار وتعرفون الملك الجندي عن قرب وتعرفون معنى أن يكون القائد رفيق الدرب.
لقاؤكم كان تجديدا للذاكرة حفظا السردية الوطن وكان استدعاء للرجولة في أنقى صورها وكان تذكيرا أن الشرف لا يشترى وأن الوفاء لا يزول وأن من وقف في الميدان مرة لن يغادره أبدا حتى لو ترك البزة العسكرية.
عندما مد الملك القائد يده لرجاله شعر كل واحد منهم أن السنين كلها تلخصت في تلك المصافحة وأن الميدان لا يموت أن الخطى القديمة تدق ذكرياتها في القلب وأن صوت الوطن في الميدان حاضر
فالميدان مدرسة يعلمك الصبر ويعلمك الثبات حين ترتجف الأرض ويعلمك الفرق بين رجل يقود ورجل يتقدم فالقائد الحقيقي كما يعرفه الرجال هو من يمشي على التراب نفسه الذي مشوا عليه
هكذا يبقى اللقاء وهكذا تبقى الذاكرة رجال وقائد جمعهم الميدان وصنع بينهم رباطا لا تقطعه السنين