عندما تزوجت قبل زهاء ١٩ سنة تزوجت في ظل ظروف صعبة قاهرة ، فقد تزوجت بعد وفاة والدتي رحمها الله بإسبوعين بناء على وصيتها ، وكنت وقتها ما زلت أشعر بالحزن الشديد على وفاة والدتي ، وكان البعض يعزيني ويخففون علي و يقولون:" اخوال زوجتك و حماتك من نسل طيب والدهم الحاج محيسن ابراهيم الحجاج الذي ولد في الطفيلة عام (١٩٠٦) م وتوفي عام (١٩٨٠ ) الذي يعتبر من وجهاء الطفيلة آنذاك، ذلك الرجل الشهم الطيب والكريم ، الذي اتصف بالكرم المتأصل في جيناته الوراثية رغم الفقر آنذاك ، حيث كان العمل في الزراعة، إلا أن بيته كان مفتوحاً للقريب والبعيد ويقضي حوائج الناس .
كما كانوا يقولون ايضا :" أن جد حماتك و إخوالها هو الشيخ هليل خليل الحجاج (أبو علي ) من وجهاء الطفيلة القدامى جداً، يعسوبُ قومه من الرعيل الأول القديم جدا ، و أحد أبرز وجهاء الطفيلة القدامى ذا الصيت الذائع في إصلاح ذات البين والكرم والشجاعة ومن أوائل القصابين في الطفيلة ، ولقب بالفطاط لصوته العالي الجهوري ، خاصة أنه كان مفوها ذا هيبة و وقار ، مخضرم من الطراز الرفيع، حيث ولد في الطفيلة عام (١٨٨٨) ، وتوفي مطلع الثمانينات، قبل (٤٥) سنة تقريباً ، حيث لا توجد سيرة مطبوعة له لقدمه وكذلك لا يوجد أبناء له حالياً ، فقد ارتحلوا جميعاً إلى رحمة الله وكنت كذلك في ذلك الوقت لا أعرفه ، وكتبت عنه مؤخرا واستندت في الكتابة عنه لروايات وحوارات الختيارية وكبار السن من هم من فوق (٨٠) سنة والبعض الآخر من الجيل الحديث فيما سمعوه من كباريتهم وشيوخههم كونه من مواليد ١٨٨٨ .
وبدأت مؤخرا الاستقصاء عن الشيخ محيسن الحجاج رحمه الله ، فالبعض اشاد به وكيف كان يتلمس حاجيات الناس، و يشارك الناس أفراحهم واتراحهم وتجده يسارع لحضور أي مناسبة وتقديم الواجب ، ويسارع كذلك لدعوة الناس لبيته ، فقد اتصف بخصال ومزايا حميدة، جلّها الإيمان ،ودماثة الخلق ،وحسن المعشر، وطيبة القلب، متميزًا بالتواضع الذي زاده احترامًا وتقديرًا ومحبة الناس آنذاك ،وكل من عرفه والتقى به.
وهل هناك ثروة يبقيها الانسان بعد موته أكثر من محبة الناس..؟! فكنت قدوة ونموذجاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الأخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح.
لقد غيب الموت الحاج الفاضل محيسن الحجاج ، لكنك ستبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة. ولن ننساك، وستظل أعمالك ومآثرك وسيرتك نبراسًا وقدوة لنا رغم أننا لم نعاصرك لكننا سمعنا من الآباءوالأمهات عن صفاتك الجليلة .
عندما كنت صغيرا بالسن لم أكن أعرف ما يقولون لي الناس عن جد زوجتي والد إخوالها وحماتي ، كنت احسب ما يقولون لي مجرد مجاملة وبعد سنوات وعندما أصبحت كاتباً ايقنت معادن الرجال وصفاتهم ، كوني أكتب عن الرعيل القديم منذ ٥ سنوات وعرفت أن ما كان يقال عن الحاج محيسن الحجاج في غاية الدقة ، فقد بدأت الحقائق تتكشف لي فيما بعد وأصبحت على علاقة قوية بإخوال زوجتي خاصة خالها الحاج سعد (ابو محمد ) رحمه الله، الذي كنت اشتري من عنده الفواكة والخضار وكان يراعيني بالشراء من عنده ، وحتى أنه يراعي كل من يشتري من عنده ، كما كان يشعر بالحرقة على ظروفي الإقتصادية آنذاك، وكيف أنني من المعلمين الذين يتقاضون راتباً متدنياً أدفع معظمه أجرة بيت ، وسداد ثمن الأثاث وغيرها من المستلزمات وكان يسأل بإستمرار عن زوجتي ابنه اخته زوجتي ويدعو الله أن تتعيين لمساعدتي ، كما كان يطلب مني الإقتصاد في الشراء والتوفير حتى أنه عاتبني عن طريق ناس ، كي لا اصرف كثيرا في الشراء.
كما أن شقيقه الآخر خال زوجتي الحاج الفاضل سعود محيسن الحجاج (أبو عماد) المعروف في كرمه وشهامته، فقد زرته مؤخرا عندما كان مريضاً وكان غاضباً مني لأنني زرته وأنا صائم ولم أقبل دعوته لكي اتناول عنده العشاء ، فقد كان لحوحا لدرجة كبيرة ،فكم كانت سعادتي غامرة عند زيارته والإستماع لحديثه الشيق، حيث لا تمل من جلسته وطريقة سرده ، حيث لمجرد دخولي عليه أطلق العنان لفكره ولسانه في حديثه عن الآباء والأمهات القدامى زمن البركة والخير العميم، حيث استذكر ذلك الجيل الجميل والحسرة على وجهه وكأنه يعلم أنني من عشاق ذلك الزمن الماضي، وشاهدته كأنه يخفي في قلبه أوجاع وآلام وحسرة على ذكريات الأجداد والجدات والآباء والأمهات القدامى ذلك الزمن الذي سوف نتباكى عليه في وقتنا الحاضر رغم أنه اظهر نفسه مبتسما إلا أنني قرأت ما بين مفرداته وطريقة سرده للقصص ذلك الوجع الذي حاول أن يخفيه أمامي؛ كوني في زيارة قصيرة للإطمئنان على صحته .
كما أن ابنه ابراهيم الحجاج (أبو امجد ) الخال العزيز لزوجتي وهو امتداد لتلك الحقبة من الزمن الماضي الجميل، ذلك الزمن الذي اتسم بالخير العميم والعلاقات الإجتماعية الأخوية بين الناس المبنية على أساس ديني وليس على أساس المصلحة كزمننا الحالي، فالخال(أبو أمجد ) على وجه التحديد تربطني فيه علاقة وطيدة ودائما التقيه واتصل به ويقدم النصيحة لي في كل مرة اتحدث معه ، كما أن خال زوجتي فرحان (أبو سبأ) طيب الذكر الذي أشعر بإخوته الصادقة في حديثه معي ، كما أنه يراعي الناس عند الشراء من عنده ، وكذلك خال زوجتي خليل الحجاج (أبو صهيب) صاحب الدين والخلق الجم .
وما ينطبق على إخوال زوجتي ينطبق على خالاتها اللواتي يعتبرن كذلك امتداد لوالدهن الحاج محيسن -رحمه الله-المعروف بالكرم والجود والشهامة ذلك الرجل الطيب الشهم والذي لا أعرفه بحكم أنني صغير في السن، ولم أعاصره ولكنني سمعت عنه من الأصدقاء والناس ،حيث يذكروه بالخير ، عندما أحدثهم عن طيبة ونخوة وشهامة اخوال زوجتي وطيبة شقيقتهم عمتي (حماتي) والدة زوجتي الحاجة سلوى محيسن الحجاج أم محمد حفظها الله، فيقولون:" لا غرابة في ذلك فوالدهم- يا يوسف- الحاج محيسن الحجاج رحمه الله واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .