لم يكن المساء في ماعين عاديًا، ولم تكن شجرة الميلاد مجرد طقسٍ متكرر.
في تلك اللحظة، حين أُضيئت الشجرة في قلب البلدة، بدا وكأن الوطن كلّه قد انحنى قليلًا ليُشعل شمعة جديدة في ذاكرته، شمعة تقول إن الأردن لا يزال يعرف طريقه إلى نفسه.
الضوء الذي ارتفع في ماعين لم يكن للفرح وحده، كان للطمانينة
طمأنينة أن هذا البلد، رغم ضجيج العالم من حوله، ما زال يملك هدوء الحكمة، وبوصلة العيش المشترك، ووعي الناس الذين يدركون أن الاختلاف نعمة إذا حُمل بصدق.
في ماعين، لم يُسأل الضوء: لمن أنت؟
لم يُفتَّش عن هوية الشجرة،
لأن المكان كان أوسع من الأسئلة،
ولأن الوطن حين يكون حاضرًا، يتراجع كل ما سواه.
المشهد لم يكن استعراضًا، بل رسالة صامتة وعميقة:
أن التآخي ليس شعارًا يُرفع عند الحاجة،
بل ممارسة يومية تتجسد في التفاصيل الصغيرة،
في الابتسامة، في التهنئة الصادقة، في الاحترام المتبادل الذي لا يحتاج إلى عدسات.
ماعين، بثباتها وصدقها، قدّمت درسًا بلا خطابة:
أن السلام لا يُفرض، بل يُعاش،
وأن الأوطان لا تُحمى بالصوت العالي،
بل بالعقل الهادئ والقلب المفتوح.
وحين أضاءت الشجرة،
أضاء معها معنى الوطن الحقيقي؛
وطن لا يخاف من ألوانه المتعددة،
ولا يتوجس من طقوس أبنائه،
ولا يسمح للفتنة أن تجد موطئ قدم بين ناسه.
في زمن تتعب فيه المفاهيم وتُستنزف القيم،
جاءت ماعين لتذكّر الجميع أن الأردن ليس فكرة معلّقة في الهواء،