★باحث في الإدارة المتكاملة لموارد المياه في الأردن
نعم… عبر الإدارة المتكاملة لمواردنا المائية وبأدوات أردنية خالصة
★ملخص المقال:
يعرض هذا المقال مقاربة رقمية افتراضية لإمكانية تقليل الاعتماد على استيراد المياه، بالاستناد إلى بيانات رسمية منشورة عن كميات المياه الداخلة لشبكات التزويد وحجم الفاقد. ويرتكز الطرح على ثلاثة مسارات تنفيذية للفترة 2026–2030: خفض تدريجي للفاقد داخل الشبكات، وتطوير الحصاد المائي عبر سدود تحويلية صغيرة، والتوسع في محطات التنقية لإنتاج مياه معالجة تُوجَّه أساسًا للزراعة بهدف تحرير كميات مكافئة من المياه العذبة للاستخدامات المنزلية. ويؤكد المقال أن تحقق هذه النتائج مرتبط بوجود برنامج وطني واضح ومؤشرات أداء وقياس سنوية، وأن المسار المقترح لا يُقدَّم كبديل حصري للمشاريع الكبرى، بل كرافعة لرفع كفاءة النظام المائي وتقليل كلفه ومخاطره.
مقدمة
يُعدّ ملف المياه من أكثر الملفات الوطنية حساسية في الأردن، ليس فقط بسبب شح الموارد الطبيعية، بل بسبب التحديات المرتبطة بكفاءة إدارة المتاح منها. ويطرح هذا المقال سؤالًا مباشرًا: هل يمكن للأردن أن يقلّل اعتماده على استيراد المياه، وربما يستغني عنه، من خلال أدوات داخلية قابلة للتنفيذ؟ الإجابة المطروحة هنا ليست سياسية ولا إنشائية، بل مبنية على قراءة رقمية لواقع النظام المائي الوطني وإمكانات تحسين إدارته خلال فترة زمنية محددة. وفي هذا السياق، فإن المشاريع الثلاثة المقترحة هنا — تخفيض الفاقد، والحصاد المائي عبر السدود التحويلية، والتوسع في الصرف الصحي وإنتاج المياه المعالجة — تمثل جزءًا من حزمة مشاريع وطنية أوسع يجب العمل عليها لتحسين رصيد الأردن المائي وتعزيز الاعتماد على الذات دون الارتهان لأي طرف خارجي، كما أن مشاريع مماثلة ومساندة يمكن تطويرها وتطبيقها بالتوازي ضمن نهج الإدارة المتكاملة لموارد المياه للنهوض بقطاع المياه في الأردن ورفع كفاءته واستدامته.
الإطار الكمي الرسمي
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المياه والري للأعوام 2012–2022 إلى أن كميات المياه التي تدخل شبكات التزويد للاستخدامات المنزلية والشرب تبلغ نحو 550 مليون متر مكعب سنويًا، ويُقدَّر الفاقد داخل هذه الشبكات بنحو 50% أي ما يعادل 275 مليون متر مكعب سنويًا. في المقابل، لا تتجاوز كميات المياه المستوردة رسميًا نحو 50 مليون متر مكعب سنويًا. ويبيّن هذا الفارق أن حجم الهدر داخل النظام المائي الوطني يفوق بكثير حجم الاستيراد، ما يجعل خفض الفاقد مدخلًا منطقيًا وسريع الأثر لتعزيز الأمن المائي.
منطلق المعالجة
ينطلق هذا الطرح من فرضية أساسية مفادها أن المياه المهدورة داخل النظام تمثل المورد الأقل كلفة والأسرع مردودًا، وأن الإدارة المتكاملة لموارد المياه قادرة على توليد كميات إضافية من المياه المتاحة دون اللجوء إلى حلول خارجية أو مشاريع عالية المخاطر والكلفة.
أولًا: خفض الفاقد المائي
يقترح البرنامج خفض الفاقد بمعدل 2% سنويًا من إجمالي المياه الداخلة للشبكات، أي ما يعادل نحو 11 مليون متر مكعب سنويًا. وعلى مدى خمس سنوات، يصل مجموع الخفض إلى 55 مليون متر مكعب سنويًا، بما يؤدي إلى تقليل نسبة الفاقد من 50% إلى نحو 40% بحلول عام 2030. ويمثل هذا الخفض وحده كمية تفوق كامل حجم المياه المستوردة حاليًا، شريطة الالتزام ببرامج صيانة الشبكات، وكشف التسربات، وضبط الاعتداءات، وتحسين العدادات.
ثانيًا: الحصاد المائي عبر السدود التحويلية
يقترح المقال تنفيذ برنامج وطني للسدود التحويلية على الأودية الجانبية، بمعدل 10 سدود سنويًا خلال الفترة 2026–2030 ليصل العدد إلى 50 سدًا. تُقدَّر الكلفة الرأسمالية للسد الواحد بنحو 2 مليون دينار أردني، وبسعة تخزينية تقارب 0.5 مليون متر مكعب. وباعتماد تقدير محافظ للعائد السنوي، يبلغ متوسط ما يوفّره كل سد نحو 0.5 مليون متر مكعب سنويًا، ليصل العائد الإجمالي بعد اكتمال البرنامج إلى نحو 25 مليون متر مكعب سنويًا.
ثالثًا: الصرف الصحي ومحطات التنقية
يركز المسار الثالث على التوسع المنهجي في محطات الصرف الصحي والتنقية، من خلال إنشاء محطة واحدة سنويًا خلال الفترة نفسها. وتُقدَّر كلفة المحطة الواحدة بنحو 50 مليون دينار أردني، وبطاقة إنتاجية تقارب 15 مليون متر مكعب سنويًا من المياه المعالجة. وبعد خمس سنوات، يصل إجمالي الإنتاج إلى 75 مليون متر مكعب سنويًا تُخصَّص للاستخدام الزراعي، بما يؤدي إلى تحرير كميات مكافئة من المياه العذبة لاستخدامات الشرب والاحتياجات المنزلية.
الحصيلة المائية بحلول عام 2030
بجمع أثر المسارات الثلاثة دون تداخل، تصل الحصيلة السنوية المتوقعة بحلول عام 2030 إلى 55 مليون متر مكعب من خفض الفاقد، و25 مليون متر مكعب من السدود التحويلية، و75 مليون متر مكعب من المياه المعالجة، أي ما مجموعه 155 مليون متر مكعب سنويًا، وهي كمية تفوق حجم المياه المستوردة وتشكل موردًا وطنيًا جديدًا قائمًا على تحسين الإدارة لا على إضافة مصادر خارجية.
الكلفة الإجمالية والكميات التراكمية
تُقدَّر الكلفة الرأسمالية لتنفيذ البرنامج خلال خمس سنوات بنحو 100 مليون دينار للسدود التحويلية، و250 مليون دينار لمحطات التنقية، و50 مليون دينار لبرامج خفض الفاقد وتحسين الشبكات، وبذلك تبلغ الكلفة الإجمالية نحو 400 مليون دينار أردني. ومع التنفيذ التدريجي، تُقدَّر الكميات التراكمية التي يتم توفيرها أو إنتاجها خلال الفترة 2026–2030 بنحو 400–450 مليون متر مكعب، ما يجعل كلفة المتر المكعب أقل من دينار أردني ضمن هذا المسار.
العلاقة مع مشروع الناقل الوطني
لا يُقدَّم هذا البرنامج كبديل حصري لمشروع الناقل الوطني، بل كمسار مكمّل يعزّز كفاءة النظام المائي ويخفض كلف التشغيل والمخاطر لأي مشروع ناقل مستقبلي، كما ينسجم خفض الفاقد المقترح مع خطط وزارة المياه والري المعلنة ويقدّم نتائج ملموسة على المدى القريب.
الخلاصة
إذا بدأ الأردن بتنفيذ برنامج متكامل لإدارة موارده المائية عام 2026، فإنه بحلول عام 2030 يكون قد قلّل اعتماده على استيراد المياه إلى حد كبير وربما استغنى عنه عمليًا، عبر خفض الفاقد وتعظيم الحصاد المائي وتوسيع استخدام المياه المعالجة، بما يقدّم خيارًا وطنيًا أقل كلفة وأدنى مخاطر وأكثر سيادة.
التوصية
اعتماد برنامج وطني متكامل للإدارة المتكاملة لموارد المياه للفترة 2026–2030، وربط التنفيذ بمؤشرات أداء وقياس سنوية واضحة، بوصفه خطوة أساسية لتعزيز الأمن المائي الوطني ودعم أي مشاريع استراتيجية مستقبلية.