في السادسة صباحًا، وقبل أن تكتظ الشوارع بازدحامها المعتاد، ينهض الموظف الأردني البسيط من سريره، لا بدافع الشغف بقدر ما هو التزام لا يقبل التأجيل. حقيبته خفيفة، لكن همومه ثقيلة، وقهوته الصباحية لا تكفي دائمًا لتخفيف عبء يوم طويل يبدأ باكرًا وينتهي متأخرًا.
بين الراتب والالتزامات
براتبٍ بالكاد يغطي أساسيات الحياة، يعيش الموظف الأردني معادلة دقيقة بين الدخل والمصروف. ( الإيجار، فواتير الماء والكهرباء، أقساط المدارس، ومصاريف المواصلات .... الخ )، كلها بنود ثابتة لا تعترف بتقلبات الدخل أو الظروف الطارئة، ومع ذلك يحرص على أن يبقى "مستوره”، متجنبًا الشكوى، ومؤمنًا بأن الصبر مفتاح الفرج.
الطريق إلى العمل
رحلة الذهاب إلى العمل ليست مجرد انتقال مكاني، بل اختبار يومي للصبر. مواصلات عامة مزدحمة أو كلفة وقود تلتهم جزءًا من الراتب، وزمن ضائع في الطرقات يقتطع من طاقته قبل أن يبدأ الدوام رسميًا. يصل إلى مكتبه، يبتسم لزملائه، ويباشر عمله بإتقان، لأن الكرامة المهنية لا تُقاس بحجم الراتب.
في المكتب … أداء بصمت
ثماني ساعات – وربما تتجاوز ذلك – يقضيها الموظف في إنجاز مهامه، متحملًا ضغوط العمل وتراكم المسؤوليات. ينجز المطلوب دون ضجيج، ويغادر دون لفت انتباه، كأن حضوره واجب لا يُحتفى به. لا يبحث عن امتيازات، بل عن تقدير بسيط يشعره بأن جهده مرئي ومُقدَّر.
استراحة قصيرة وأحلام مؤجلة
في استراحته القصيرة، يتصفح هاتفه، يطالع أخبارًا عن ارتفاع جديد للأسعار، أو فرصة عمل في الخارج. يحلم بتحسين وضعه، بترقية طال انتظارها، أو بمشروع صغير يحرره من دائرة القلق الشهري. لكن الأحلام غالبًا ما تُؤجل، لا لغياب الطموح، بل لضيق الإمكانيات.
العودة إلى البيت
فؤ نهاية اليوم ومع غروب الشمس، يعود إلى منزله محمّلًا بتعب اليوم. في البيت، يتحول من موظف إلى أب أو أم، زوج أو زوجة، يحاول أن يكون حاضرًا لأسرته رغم التعب والإرهاق. ضحكة طفل أو كلمة امتنان من شريك الحياة كفيلة بأن تمنحه دفعة أمل ليوم جديد.
ما بين الصبر والكرامة
قصة الموظف الأردني البسيط ليست استثناءً، بل واقع يتقاسمه آلاف لا بل مئات الالاف من العاملين في القطاعين العام والخاص. هم عماد الاستقرار، ووقود عجلة العمل، وحماة الإيقاع اليومي للحياة. صبرهم ليس ضعفًا، وصمتهم ليس رضا، بل تعبير عن كرامة عالية وإيمان بأن الوطن يستحق الجهد.
واخيرا، يوميات الموظف الأردني البسيط هي مرآة لواقع اجتماعي واقتصادي يحتاج إلى إنصاف واهتمام. الاعتراف بجهده، وتحسين ظروف عمله، ليس ترفًا، بل ضرورة لبناء مجتمع متوازن يشعر فيه الإنسان أن تعبه مقدَّر، وأن الغد قد يحمل ما هو أفضل.