نيروز الإخبارية : الخطاب الإعلامي العربي
بين المراهقة والبلوغ
الدكتور عديل الشرمان
بالرغم مما يشهده العالم العربي من واقع مؤلم، وتراجع مستمر ومتواصل في كل شيء، وبالرغم مما تمر به الأمة من تحديات وتغول على مصالحها وحقوقها، مازلنا نسمع ضجيج وجعجعة وسائل الإعلام العربي وهي تقدم خطابا إعلاميا تعكس فيه الواقع المفبرك لحال الرؤساء والحكام، وهي تمجد انجازات وبطولات الحكام والمسؤولين الزائفة، تطبل وتزمر وتزغرد وتعزف اوتار الخيبة، وتصف الحكام بالمعجزة والهبة من الله، وتذهب إلى نعتهم بالحكمة والقوة وسداد الرأي والتمتع بالقدرات الخارقة، وتمعن تلك الوسائل في تقديم خطاب اعلامي غارق في التملق والمدح والاطراء، في حين أن الواقع العربي يخيب الآمال، ويلفه التردي، وتعصف به الأمواج من كل حدب وصوب، ولا شيء على أرض الواقع يدلل ويؤكد صحة الخطاب الإعلامي الهزيل التقليدي، المضطجع والمتردد والخائف والمرتبك والحائر، حيث الأكاذيب المكشوفة، والانتصارات المزعومة.
لقد بات الخطاب الإعلامي العربي بعيدا عن واقع الأمة وآلامها وطموحاتها وقضاياها، خطاب تنقصه الموضوعية، والمهنية، منشغل بالمناكفات والكيد ورد الغيض، خطاب اعلامي متصارع يستعمل لأغراض واهداف ضيقة، تحريضي تعبوي ، ومعادي ومضاد للآخر، وطابعه ايدولوجي من حيث الرسالة والتأثير، ويغلب المصالح الوطنية والشخصية الضيقة على العوامل المهنية والموضوعية، اعلام يفتقد لقادة الرأي واصحاب الفكر، ولم يعد قادرا على صناعة وصياغة رسالة وخطاب متزن، ينهض بالأمة ، ويدافع عن قضاياها ومصيرها، ويشرح ويوضح للعالم ما تعانيه من ظلم وجور، ومن عدالة قضايا الأمة.
العالم العربي يغرق تدريجيا، ونسيجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي يتمزق شيئا فشيئا، والخطاب الإعلامي العربي غارق في اللهو، والطرب والمجون والكذب والتدليس والتمليس، خطاب محبط للمتلقين والمتابعين ويعمق مشاعر اليأس لديهم، ولا شيء يلوح في الأفق القريب يوحي بأن هناك من منقذ أو جهة تعمل على تدارك وانتشال الخطاب الإعلامي من غفلته ونومه وسباته العميق، ولا شيء يوحي بأن القادم افضل.
لقد بات الخطاب الإعلامي العربي خاليا من المحتوى والمضمون وحتى من الروح، سطحي في الطرح، ضعيف في تناول الموضوعات العامة، اعلام يقدم وجهات نظر وتحليلات حيال الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية على لسان العامة من الناس ممن يحلوا ضيوفا على البرامج واللقاءات، وجلهم من غير أصحاب الفكر والعلم، ويقدمون خطابا إعلاميا يميل كل الميل الى الترفيه والسطحية ويبعث على النفور والكراهية، ولا هدف له سوى تعبئة وسد الفراغات والمساحات الإعلامية.
مازال الخطاب الإعلامي العربي لغاية الآن ناطقا بالعربية، ولم تفلح كل محاولاته المتواضعة الخجولة في الوصول إلى للآخرين، وتحقيق ولو الشيء اليسير من التوازن الإعلامي بيننا وبين الغرب، ولا أعتقد ان ثمة خطابا إعلاميا موجها للغرب يشرح ويوضح ويحمل قضايا الأمة للتأثير على الرأي العام لديهم، حيث بات الخطاب الإعلامي العربي أسير المحبسين، منغلق على ذاته، ويفتقد لأهداف محددة، ويسير في طرق ليس لها نهايات واضحة، منشغل بماسورة ماء مكسورة، أو بمطربة عارية مكشوفة، او انقطاع التيار الكهربائي عن أحد المنازل.
ما زال الاعلام العربي مراهقا جانحا، ويعاني من مشاكل جنسية، ويمارس العادة السرية لإشباع رغباته، واكتشاف قدراته، والوصول إلى غاياته، وغير ملتفت لهموم الأمة وامالها، وغير قادر على اجادة العزف على اوتار مشاكلها وقضاياها، وبات همه الوحيد كيف يثبت ذاته الضائعة، ويثبت رجولته المزعومة، ولو على حساب أخلاقيات المهنة، متسلقا أكوام القمامة وصولا إلى بلوغ غاياته.