قد لا تكون الأجواء النفسية، والمشاعر الواثبة في هكذا ظروف مواتية للحديث عن ورشة المنامة الاقتصادية، ولكن الواقعية السياسية تقتضي تشخيص ضرورات الموقف الأردني في المشاركة الرمزية والتي تخلو من الحضور السياسي من جهة، وطبيعة وشكل التمثيل، والمشاركة من جهة أخرى، ولعلَّ الحرص الأردني بقي يقظاً في التأكيد على الثوابت الأردنية الراسخة، ومتيقظاً من محاولة إقحام الأردن في أية محاولات، أو ترتيبات مستقبلية؛ لتنفيذ صفقة القرن.
السياسة فن الممكن، ودرء المفاسد في إدارة المصالح الوطنية أولى من جلب المنافع، والانتحار السياسي في مواجهة القوى القادرة على الإضرار بمصالح الدولة العليا يعد مراهقة سياسية ما دام نتائج المشاركة يمكن احتوائها على الأرض دون الحاجة إلى مبررات الرفض العدمي الذي يؤثر سلباً أكثر من أي إمكانية لتحقيق نتائج إيجابية، والحكومة الأردنية في قرارها المشاركة أن تخلع عنها عباءة التمثيل السياسي، ولذلك لم يمثل الأردن وزير، أو سفير لنا في البحرين، مما يجعل من خطوة الحكومة خطوة معقولة في تجنب الصدام مع الراعي الأمريكي لهذه الورشة.
الدولة الأردنية بسلطاتها الدستورية، وشعبها، وجيشها ومؤسساتها تقف خلف جلالة الملك بلاءاته الثلاث، لا للتنازل عن القدس، والوصاية الهاشمية على المقدسات، ولا للوطن البديل، ولا للتوطين، تلك المبادئ التي تشكل التزاماً تاريخياً بين القيادة، والشعب هي ثوابت وطنية لا يمكن النكوص عنها، أو التفاوض حولها؛ لأنها تتعلق بأساسيات وجود الدولة الأردنية، وحضورها العربي، والإقليمي، والدولي، وترسخ الفهم المشترك لكل القوى الدولية حول خيار الدولتين، وضرورة احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومنها القرارات: (242)،(338)،(181) وحق اللاجئين في العودة لأوطانهم وفقاً لقواعد القانون الدولي.
لا ننكر حق المعترضين على ورشة عمل البحرين اعتراضهم، ولكن عليهم أن يدركوا دقة الظرف الدولي، ومتطلبات البعد الوطني اللذين يقتضيان إدراك قواعد الكر، والفر في اللعبة الدولية على مسرح المنطقة المتخمة ببوادر القلق، والحذر، ومتطلبات الصمود التي تقتضي التصرف بحكمة، ودهاء دون إفراط، أو تفريط من جهة ووضع ثوابت الموقف الأردني ولاءاته على طاولة المنامة بوضوح، وسد الذرائع في النيل من مصالح الوطن العليا في الجوانب الاقتصادية، والسياسية، والأمنية وغيرها.
في الأزمة السورية كان هناك الكثير من القوى السياسية والاجتماعية التي تحفظت على الموقف الرسمي من تلك الأزمة -وقتذاك- ؛ لينجلي الغبار بعد ذلك ويدرك الجميع حكمة، وحنكة جلالة الملك في قراءته لمستقبل المنطقة، ويُبقي على "شعرة معاوية" الضرورة في إطار العلاقات الدولية، وهو أمر يتوجب إسقاطه على الموقف الأردني من ورشة العمل المتعلقة بصفقة القرن في البحرين، تلك المشاركة التي لا يمكن أن تذهب لأبعد من التأكيد على الثوابت الوطنية الأردنية القائمة على اسناد الموقف الفلسطيني من صفقة القرن، ولاءات جلالة الملك الثلاث التي لا يمكن النيل منها، أو المساومة عليها.
سيقول الأردن على طاولة المنامة أن الاعتدال الأردني مرهون بفهم ثوابت الموقف الوطني بان الأردن للأردنيين، وأن الفلسطينيين هم سنان الرمح في النضال من أجل دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.