أُدرك كما يدرك غيري أن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة، وأن مسيرة الفساد الاداري التي رافقت عمل الحكومات المتعاقبة لا يتحمل وزرها المسؤولون فقط، بل هي ايضا نتاج ثقافة مجتمعية القت بظلالها على مفاصل الدولة، ونعلم جميعا أن الاصلاح السياسي والاداري والاقتصادي يحتاج جهداً مضاعفاً وتغييراً في السلوك والثقافة حتى نستطيع تجاوز الحلقة الاصعب باتجاه بناء قاعدة يؤسس عليها ثقة متبادلة بين السلطة والشعب
ففي آخر لقاء لجلالة الملك مع طلبة الجامعة الاردنية في العام الماضي طلب بنفسه الضغط من تحت على الحكومة ليمارس هو الضغط من اعلى،بهدف احداث التغيير الايجابي
وكان الملك من قبل قد التقط رسالة الحراك في بدايات أحداث الربيع العربي فأمر بإجراء اصلاحات سياسية، وأعلن بنفسه ان الحراك شكل فرصة حقيقية منحته القوة والقدرة لتجاوز قىوى الشد العكسي لإجراء اصلاح دستوري شمل اكثر من 40مادة من الدستور
لقد اثمرت مجمل عملية المطالبات باجراء اصلاحات بدءاً بجلالة الملك وانتهاءً بالشعب، بتشكيل قناعة لدى الجميع، انه لا بديل عن الاصلاح ومراجعة الاخطاء والوقوف عندها لإحداث التغيير المطلوب الذي يحافظ على الاستقرار والاستمرارية، وعادة ما يلتقط القادة الاذكياء هذه الاشارات ويترجمونها إلى افعال وسياسات وقرارات
ففي ترؤسه لجلسة مجلس الوزراء في آواخر شهر ايلول الماضي أنذر الملك الحكومة واعطاها فرصة أربعة اشهر للعمل وإلا..وصلت الرسالة للجميع، وربما كان الرئيس بحاجة لإجراء بعض التغيير على فريقه الوزاري وهذا حقه لكن المطلوب هو اطلاق برنامج نهضه حقيقي يلمسه المواطن
وفعلا اطلقت برنامج الحزم التحفيزية للاقتصاد في 27/10/2019 وكانت أولى ثمراته إجراءات لتنشيط القطاع العقاري من خلال منحه اعفاءات ضريبية ورسوم تسجيل اعادت الروح نوعا ما الى هذا القطاع
اليوم 18/11/2019 اطلق الرئيس الحزمة الثانية من البرنامج بإعلانه دمج ثماني مؤسسات وهيئات بغية تقليص النفقات وضبطها منها مؤسسات لا يعتقد الاردنيون أنها تشكل ضغطا على النفقات، لكن نعتبرها خطوة اولى، لن تتوقف الحكومة عندها بل يجب أن تُشهر برنامجا متكاملا محددا بمدة زمنية، يعالج فوضى الهيئات المستقلة ودمجها بمثيلاتها التي تقدم نفس الخدمة، والمأمول ليس فقط الوقوف عند الهيئات المستقلة بل يتجاوز ذلك ليشمل السفارات بالخارج وكذلك الوزارات واجراء عملية مراجعة حقيقية لتقييم مدى احتياجات الدولة لها
كما أن الحكومة مطالبة بشكل حثيث وجوهري بإلغاء كل مظاهر الترف، وبالحقيقة اشعر بالغضب وانا أشاهد اساطيل السيارات التي كلفت الخزينة مئات الملايين، وفي الواقع يخجل وزراء الدول التي صنعتها في اليابان وامريكا والمانيا من استخدامها، دعونا نعيش الواقع "ونمد رجلينا على قد لحافنا"
والحكومة مطالبة بمراجعة مكافاءات ورواتب رؤساء واعضاء مجالس إدارات الشركات الحكومية ووضع خطة هيكلة حقيقية تشمل الجميع وبنفس المقاييس...هذه ملاحظات اولية ايجابية على مسيرة الحكومة في الشهر الاخير ونأمل بتسريع الخطوات والعمل بجهود حثيثة ليُحس المواطن بجودة الخدمات، وتحسين مستوى المعيشة من خلال وضع حد أدنى للرواتب يلبي المتطلبات الاساسية للاسرة
على الرغم من الشعور بالمرارة تجاه هذه السياسات التي اوصلتنا الى الهاوية، الا ان ثقتنا بالله اولا وبالقيادة ثانيا وبشعبنا العظيم اننا سنتجاوز كل الصعاب