عندما تشرفنا في الخدمة مع جلالة الملك عبدالله بن الحسين، حين كان قائدا للعمليات الخاصة المشتركة وسِمعنا منه في منتصف التسعينيات ولأول مره كلمة دَرك، قمنا نبحث في القاموس العسكري عن معنى هذه الكلمة، لأنها لم تكن موجودة في مفاهيمنا الأمنية، وبعد البحث والتحري وجدنا ان الكلمة موجودة في تاريخنا العسكري الأردني القديم، ففي عام ١٩٢١ في بدايات تشكيل إمارة شرق الاردن كانت هناك قوة عسكرية مكلفة بمهام الشرطة تساند الفيلق العربي (الجيش العربي).
وبعد ان توقفنا عن البحث بدأنا ننظر الى المستقبل، ففتح لنا سمو الأمير (آنذاك) أبواب المعرفة والتطور والتحديث والتي كان من اهمها التعاون الأمني الدولي، فقمنا بزيارة الدرك الفرنسي Gendarmerie والدرك التركي، وعقدنا معهم التدريبات المشتركة، عندها أدركنا ان الامير عبدالله كان يدرك ان التحديات الأمنية المستقبلية ستكون صعبه وان تشكيل قوة الدرك قادم لا محاله.
لكن وان عَرفنا معنى الدرك واطلعنا على واجباته في الدول المتقدمة، فأننا لم ندرك الفكر الذي يجول بخاطر الامير عبدالله، وكنا نتسأل كيف سيشكل هذه القوة؟! بدأت معالم الدرك تظهر لنا شيئا فشيئا، حين بدأ الأمير بسياسة التقارب والتآخي ما بين القوات الخاصة والشرطة الخاصة، فاخذوا منا ولم نأخذ منهم، فاخذوا منا العميد المظلي إبراهيم قاسم الخوالدة للعمل قائدا للواء الأمن العام، وأخذوا منا معه مجموعة من ضباط القوات الخاصة واذكر حينها اننا كنا نعلق عليهم ونقول " صاروا تبعين فلافل".
في عام ١٩٩٩ بعد ان أصبح قائدنا الامير عبدالله ملكا، وتولى سلطاته الدستورية وأصبحنا جزء من عائلة الاردنية الكبيرة، امر بالحاق العميد المظلي توفيق الحلالمه للعمل كقائد للشرطة الخاصة، عرفنا ان هذا التشكيل سيولد قريبا، الى ان صدرت الإرادة الملكية السامية في عام ٢٠٠٨ بتشكيل المديرية العامة لقوات الدرك وتسلم توفيق باشا ابن القوات الخاصة القيادة. عندها شعرنا نحن القوات الخاصة بالغيرة على اهتمام الملك بالدرك من حيث التسليح والواجبات كونه اب وقائد ومعلم ورفيق درب، وكأبناء عائلة واحدة يحق لنا ان نغار.
وكما هي القوات الخاصة تعتبر نخبة الجيوش والأجهزة الأمنية "رضى من رضا وزعل من زعل" بدأت بتدريب قوات الدرك لتقف ويقوى عودها، وبعد ان قويت قوات الدرك أدركنا ان الدرك وان كان منافسا لنا، فلقد أصبح سندا ومساندا ودرعا ورادعا وحاميا للأمن الداخلي من اي تهديد. نعم لم ندرك هذا الا في عام ٢٠١١ عندما وصلتنا ارتدادات الربيع العربي والتي بحمدالله وفضله لم تدخل الاردن بقوة ، الا بعض من اثارها الجانبية والتي لم تكن مؤثره بفضل من الله اولا، وادراك و وعي المواطن الاردني ثانيا، لان وعي الأردني رفض هذا الفكر الطائش الثائر الذي يسير بلا هدف و الذي لم يكن سوى انه فكر مقلد ، هذا الفكر الذي أعاد ساعة الحياة في بعض البلدان للوراء ، واوقف هذا الفكر في دول أخرى ، ساعة التقدم والنمو والتطور والازدهار والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني والثقافي والعسكري والسياسي فعادت تلك الدول الى الوراء عشرات السنيين.
نعم أدركنا معنى الدرك في تلك السنين العجاف امنيا، عندما كانت القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي بجميع حواسها وامكانياتها تقوم بحراسة الحدود وكان قلبها على ما يحدث في الشارع الاردني. نعم الحمدلله وبتوفيق من الله، في تلك السنين العجاف، لم تتدخل القوات المسلحة في الشارع الاردني لان تدخلها يعني خروج الأمور عن سيطرة الأجهزة الأمنية وعودة للأحكام العرفية.
نعم أدركنا جميعا أدركنا ان هناك نشامى الدرك والامن العام هم الذين تحملوا البرد القارص وحر الشمس والحجارة الطائشة والالفاظ النابية، فتعاملوا كما تدربوا باحترافية ومهنية حتى انه لم يصل عدد من اصيب في تلك الاحداث اصابع اليد الخمس ولم يكونوا برصاص الدرك.
واليوم يأتي قرار الدرك من حسن الإدراك لصاحب الجلالة بعد تلك الأيام الصعاب، لان يسير الأردن نحو النمو والتقدم والتطور والازدهار ولتعود الأجهزة الأمنية الأردنية إلى ما كانت عليه، مما يعني الاستقرار والأمان والسير نحو المستقبل المشرق تحقيقا للقاعدة الأمنية " الامن يتشكل كالزئبق، ويجب ان يكون رجراجا، يأخذ شكل الاناء الذي يوضع فيه " بحسب شكل التهديد.
حما الله الأردن شعبا وملكا، وتحية لكل من خدم بقوات الدرك