وبفكر المعلّم نرتقي لنبقى ونستمر. ففكره نبعُ تجددٍ، وغذاءٌ فكريٌ لشعلة التجدّد، والتحرّر، والحياة، قائمٌ على دعائم مثلّث الكرامة، المساواة، والعدالة، والمحاسبة. مثلثٌ مبنيٌ بثبات ومشدود إلى قطبَي الوجود والحركة. القلمُ والمعول. قلم الفكر والقلب، ومعول العمل والأرض.
قالوا: إنه قلمكَ يسمح لك بالكتابة كما يشاء فكرك. القرار في خلاصة الأمر عائدٌ لك. أنتَ من يجعل من القلم محرّراً، أو مقرّراً، أو مبرراً، أو ممرّراً. إنه قلمك إن كنتَ أميراً أو أسيراً.
أمّا قلمي، يا معلمي، فأنت مَن يجعل منه ضوءاً..
وإن الحبر لن يتبدل لو مهما تنوعت الأقلام..
إنما الفكر هو المسؤول عن إدارة ذلك الحبر. وسيبقى قلمي بمحبرة فكرك، ولن يجفّ حبره، وأحمل معه فؤادكَ بين السطور، أكتبُ كلما أشاء مِن أشعارٍ ونثور، وأطبعُ دواويناً من الخواطر. أبتكرُ كياناً من الحروف. أُبدع باختراع مفرداتٍ جديدة، ومعانٍ مبهرةٍ. أرسمُ حديقةً تملؤها الورود، وأستخرجُ من كل وردةٍ عطراً من المبادئ، وأمام صومعتك أستقي ملامح وجهك، ونظرة الأوفياء..
وأردّد أناشيدَ المحبة، وأحلمُ بشيءٍ ما يشبهك، وأعزمُ نية الوصول لأصل، وسأصل إن أراد الله..
لا ينتهي الأمل ولو تشبّثَ اليأسُ بصدري..
لقد تعلّمنا منك الكثير الكثير، ومن هذا الكثير حبّ الأرض، والتعلّق بها، وصدقَ العلاقة معها..
وحيث أن حبَّ المعلم كمال جنبلاط للأرض دَفعهُ إلى التعلّق بالطبيعة، وإلى رغبته الملحّة بالمحافظة عليها، حيث اعتبر أن الاهتمام بالأرض يؤمّن دوام الحضارة الإنسانية. وينظر المعلّم للطبيعة على أنها تمتلك رئة تتنفس، وهي ترتوي من زخم مطر الشتاء، ويُدفئ قلبها نورُ الشمس، وكأنه يقول: ''في الحركة بركة، وفي الجمود كل شيء نكرة''.
وعُرف عن المعلّم علاقته الوطيدة مع الأرض ممزوجةً بالوحدة الجدلية، والتي أرست قواعدها آراؤه الفلسفية التي بناها على فلسفة الأقدمين من أمثال هيراقليطس، وأرسطو، وفيثاغورس، والمتصوّفين في الإسلام، وغيرهم كُثر. فكان يدعو إلى التآلف بين الإنسان والطبيعة، ويحذّر من اللعب بقوانينها، ويقول: ما أكرمكِ أيتها الأرض، وما أطول أناتك. ما أشدّ حنانك على أبنائك المنصرفين عن حقيقتهم إلى أوهامهم، والضائعين بين ما بلغوا إليه، وما قصروا عنه.
نحن نضجٌ وأنت تضحكين!.
نحن نُذنبُ وأنت تكفِّرين!.
نحن نجدّف وأنت تباركين!.
نحن ننجِّسُ وأنتِ تقدِّسين!.
ما أوسعَ صبركِ أيتها الأرض، وما أكثر انعطافك!.
ما أنتِ أيتها الأرض، ومن أنتِ؟..
أذرةٌ من الغبار تصاعدت من بين قَدَمَي الله عندما سار من مشارق الأكوان إلى مغاربها.
أنتِ الجمال في عينيَّ، والشوقُ في قلبي، والخلودُ في روحي!.
أنتِ أيّتها الأرض، فلو لم أكن لما كنتِ !!..**
ونحن اليوم نعودُ إليها طمعاً بغلالها الوافرة، وللأسف، تحت وطأة الظروف الصعبة. ويا ليتَ عودتنا إلى الأرض تكون حباً بها، وإعجاباً ووفاءً، لأنها كانت، وستبقى، رمزَ الحب والعطاء والوفاء..
وسنبقى يا معلمي:
جيلاً بعد جيل يداً تحمل قلماً، وتكتب لتنشر فكركَ لتبني جيلاً واعياً، وإنساناً صافياً..
ويداً تحرثُ أرضاً، تزرعُ قمحاً لتحصد خيراً حلالاً
وبالاثنين معاً، نصلّي لرب العباد وبالرجاء..
ليبقى الأمل. ليبقى لنا وطناً معافى وآمناً وسالماً..