لديّ نفور غريزيّ تجاه الحكومات العربية ووزرائها وكبار المسؤولين فيها، وقد درّبت نفسي على أن لا أمتدح مسؤولا عربيا وهو في موقع المسؤولية، وأعتقد بما يشبه اليقين أن إحسان المسؤول الحكومي العربي لعمله استثناء، وإساءته هي الأصل...
لكنني، اليوم، سأتجاوز عن كل هذا.
لم أكن قبل جائحة الكورونا، أتابع ما يفعله كثير من الوزراء في الأردن، ولم أكن أحفظ أسماء كثيرين منهم، ولم أنظر لمن أتابعه منهم بعين الرضا، ولم آخذه على محمل الجدّ.
لكن هذه الجائحة أبانت لنا عن وزير صحة أردني استثنائي، هو الدكتور سعد جابر.
أحببت سعد جابر، وأنتظر تصريحاته بلهفة وترقّب، وأثق فيه، فالرجل فضلا عن مكانته العلمية والفنية، يقود معركة مجابهة فيروس كورونا في جانبها الصحي بمسؤولية عالية، وفدائية جريئة، وشفافية صادقة.
والأهم من كل هذا، أنه يشعرنا أنه ابننا (منّا وفينا)، يشعرنا أنه يحبنا كأب وكأخ كبير، وكمسؤول يخاف الله فينا، ويخاطبنا بلغتنا، بكل بساطة وصدق الحنان المطبوع، دون تقعر في اللغة، ودون غرور السلطة، ودون تكلّف ممجوج، ودون ادّعاء أو غموض.
بالأمس أشفقت على الرجل، وهو يرجونا أن نتقي الله في أنفسنا وأهلنا وبلدنا، وأن نمكث في بيوتنا، شعرت أن الدموع على وشك أن تفرّ من بين جفونه المتعبة، وحزنت لقسمات وجهه المرهقة. ودعوت الله أن يبارك في جهوده وحركته وكلماته، وأن يعينه على مسؤوليته الثقيلة.، وأن لا يحبطه روتين (السيستم)، وتولّي الجهلاء يوم الزحف، وعميان العنجهية الفارغة.
لا أعرف الرجل، ولم يلفت نظري من قبل، غير أنني متأكد اليوم، من شيء واحد، وهو أن سعد جابر يشبهنا... وأن سعد جابر حكيمنا ( وحكيمنا في الفصحى تعني أكثرنا حكمة، وفي الأردن وفي بلاد الشام تعني طبيبنا كذلك، وكان لقب الحكيم قد التصق بالدكتور المناضل جورج حبش الذي جمع بين الطبّ والحكمة). فاللهم لا تخذله، واللهم لا تخذلنا.
تحية اعتزاز بوزيرنا الإنسان، وبكل طبيب وممرض وصيدلاني وفني في القطاع الصحي يسهر اليوم على سلامتنا، معرضا نفسه لمخاطر العدوى.