يعتبر الشيخ عايش الحويان من الرموز العشائرية المعروفة عند عشائر البلقاوية وهو من الرعيل الأول وقد عركته التجارب وجامعة الحياة وهو من أهل الله ووجهه يطفح بالبشر والإيمان.
بسيط ومتواضع يأسر كل من يتعامل معه بلطفه وكلامه الطيب... ينطبق عليه المثل الذي آمن به (أحبب الكل تحظى بالكل) فهو يحب الكل والجميع يحبونه!!
الشيخ عايش هو شيخ علم بسبب اطلاعه الواسع على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وبسبب ثقافته العشائرية الواسعة ولأنه تعلم الكثير من المجالس (فالمجالس مدارس) وهو شيخ بحكم السن فازداد وقاراً وتواضعاً وعلماً وهو والحمد الله لا يزال بصحته وعطائه ويتمتع بذاكرة جيدة وقد سمعت عن حديث لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (بأن المؤمن يبقى شاباً) فالإيمان والطمأنينة صفتان للمؤمن تبعثان الحيوية والنشاط على عباد الله الصالحين... وإن شاء الله ينطبق هذا الحديث على الشيخ عايش الذي عرف عنه حبه لعمل الخير وإصلاح ذات البين وحل مشاكل الناس.
من هو الشيخ عايش الحويان؟
يقول الشيخ عايش:
ولدت عام 1928م في أم الحيران/ عمان ونحن نعمل بالزراعة منذ القدم وقد التحقت بالجيش الأردني فانخرطت في السلاح المدرع لمدة 5 سنوات من عام 1953م حتى عام 1957م وكان لنا شرف استقبال سيدنا جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله عندما عاد من الدراسة إلى أرض الوطن فكنا نحيط به على شكل حرس ولندات (أي سيارات لاندروفر عسكرية) وكان جلالته رحمه الله ياتي لزيارتنا في معسكر العبدلي ونحن نجلس في المسجد وكان يأمرنا بعدم القيام له!!... فهذه أخلاق وتواضع الهاشميين التي عودونا عليها.
طلبت ترميجي من الجيش فرمجتني القيادة بناء على طلبي واعتبروني على رأس خدمتي لمدة 6 أشهر وكان راتبي مستمراً مع أنني كنت قد تركت الخدمة العسكرية لأن الكتيبة ترغب في استمراري بالخدمة في الجيش... (فكنت آنذاك على رأس عملي بالكتيبة) فكتبت الكتيبة إلى القيادة لتعلمها بأنني كنت على رأس عملي بذلك التاريخ.
ويوم تعريب الجيش وطرد كلوب باشا عام 1957م قال لي رئيس الأركان الأسبق الفريق الركن مشهور حديثة الجازي (أبو رمزي) رحمه الله: نحن نعتبر خروجك من الجيش إجازة ونريد منك العودة مرة ثانية، وكنت أقول له: أنا جندي من جنود آل هاشم سواء كنت في الجيش أو خارج الجيش، وبعد الجيش كان لي دور في تأسيس عدة جمعيات... وفي أوائل السبعينيات من القرن الماضي فزت بالانتخابات حيث أصبحت عضواً في الاتحاد الوطني.
ولقد كنت من المؤسسين في البنك الإسلامي الأردني بالاشتراك مع الشيخ صالح كامل وكذلك عادل الشمايلة ويوسف المبيضين عليهم رحمة الله، وعندي أعمال حرة... وكان يأتي إلينا موظفون من وزارة التنمية علماً بأن اجتماعاتنا هذه من أجل تأسيس البنك الإسلامي كانت تنعقد بمنازلنا إما في منزلي أو في منزل المرحوم معالي يوسف سليم المبيضين (أبو محمد).
شعاري بالحياة (أحبب الكل تحظى بالكل) ومن قالها طولب بها، أقضي معظم أوقاتي في الجاهات والعطوات وإصلاح ذات البين، وأصلح بين الناس، وأحل مشاكلهم بدون مقابل لوجه الله تعالى لأن عملية الإصلاح لها أناس مختصون يعرفون (بحوامل العشائر) الذين هم قضاة معروفون.
تحدث لنا باختصار عن عشيرة الحويان؟
عشيرة الحويان هي إحدى عشائر البلقاوية... والبلقاء اسمها البلقاء من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانت قبيلة قريش تقول: "يعدنا محمد بجنات كجنات الأردن عمان البلقاء".
وقال عليه الصلاة والسلام "حوضي من صنعاء اليمن إلى عمان البلقاء" والحوض هو الذي يرد عليه الصالحون يوم القيامة.
(الحويان) بالأصل من الجزيرة العربية، وصولاً إلى اليمن، وسكنوا بجانب جبل يقال له (جبل حوي) باليمن وكان يسكن حوله عرب من بني خثعم، وجاء الحويان إلى العلا في السعودية واليوم العلا غزيرة الينابيع والمياه... ومن الجدير بالذكر أن بني خثعم قد نحروا جملاً اسمه خثعم.. وكذلك فقد سمي شيخ القبيلة باسم خثعم، وإن هذا الكلام موثق بكتاب أنساب العشائر وكان هذا الكتاب موجودا عند الشيخ محمد السالك الشنقيطي في جبل الهاشمي... وقد ورد في هذا الكتاب أن هؤلاء الناس الذين سكنوا حول جبل حوي باليمن قد أتوا من الجزيرة العربية وهم: فلان بن فلان بن الغوث بن معد بن عدنان... أنا أكرر بأن هذه الأسماء والتفاصيل بما فيها التي نسيتها هي مدونة في كتاب أنساب العشائر وقد قرأت هذه التفاصيل عند الشيخ محمد السالك الشنقيطي في منزله بجبل الهاشمي.
وكان من بين عشائر بني صخر وبني الحويان نسب وقد فاضوا إلى الأردن من العلا بحثاً عن الماء والكلأ علماً بأن العلا كانت لبني صخر برئاسة أبن زهير... وقد بقي العلا وكذلك باليمن الكثير من الحويان ولا يزالون هناك حتى الآن... وبنو صخر كانوا قوة ضاربة للتنقل من أجل البحث عن الكلأ والرعي لأنهم يملكون الإبل والطرش الكثير.
والآن عدد (الحويان من أهل العلا) كبير... علماً بأنهم وعائلة (العلاوي) بالكرك عشيرة واحدة... ويقول عبد العزيز علاوي (أبو طه) وهو والد ياسين علاوي بأنه قد جاء إلى الكرك ثلاثة مشايخ وهم يرتدون السيوف كان من بينهم (ربيع الحويان) فجاءوا إلى الكرك من أجل شراء القمح للجيش التركي... وكان ذلك قبل أكثر من 150 عاماً.
ولما فاض بنو صخر إلى الأردن لحق بهم فرع من الحويان بسبب علاقة النسب... وسكن قسم منهم في ذيبان (بلاد بني حميدة)، وقسم آخر سكنوا في مأدبا وكانت أراضيهم في الوسية وجرينه... وقد انتقل الفرع الذي سكن في الوسية وجرينه إلى أم الحيران في جنوب عمان البلقاء... علماً بأن الحويان كانت لهم أراضي جبل النظيف و(قبيب الغولة) الذي هو جبل المريخ (الآن)... وكان يتم تطويب جبل من جبال عمان (آنذاك) بـ (بشلك تركي)، البشلك- قيمته بسيطة بالعملة التركية القديمة... فقال الحويان (في حينها): لا حاجة لنا بجبال عمان لأنه لدينا أراض واسعة... لأن الحويان كانوا يملكون (الجويدة وأبو علندا وأراض واسعة)... وإن كثيراً من عشائر البلقاوية استملكت من أراضي الحويان التي كانت (أصلاً) باسم الحويان...
عشيرة الحويان جاءوا إلى الأردن قبل مئات السنين والدي رحمه الله رجا الحويان عاش 145 عاماً وكان يركب الخيل حتى قبل مماته بخمس سنين، وقد زوجناه وعمره 140 عاماً وعاصر والدي 3 سلاطين من الأتراك العثمانيين.
والحويان كانوا أثناء فصل الشتاء يعيشون بعمان بشارع السلط قرب الجامع الحسيني حيث كنا نسكن في بيوت الشعر والخيام، وبأيام الربيع كنا نرحل ونذهب إلى الربيع عندما لم يكن بعمان أحد.
عندما جاء سمو الأمير عبد الله إلى عمان كان في استقباله عشائر البلقاوية ومنها عشيرة الحويان سنة 1921م.
كنت أذهب إلى الديوان الملكي العامر لما كنت طفلاً وأتذكر عندما تزوج سمو الأمير نايف رحمه الله وسمو الأمير طلال رحمه الله -آنذاك – كان الناس رجالاً ونساءً يذهبون باكراً ويعملون السامر ويحتفلون بهذه المناسبة السعيدة عند مضارب آل هاشم في قصر رغدان العامر.
عشيرة الحويان تسكن الآن بأم الحيران والجويدة وأم زعرورة وحي الحويان خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون الأردني وتمتاز الأراضي التي تملكها عشيرة الحويان بأنها أراضٍ زراعية خصبة وحمراء ويعمل أبناء العشيرة في الجيش والحكومة والزراعة والقطاع الخاص، العشيرة تتكون من أربع حمايل.
حويان / بني حميدة:
وهم أربع عائلات وهم يملكون الأراضي التي تقع غرب ذيبان في الذهيبة والسهول التي حولها... وهم عائلة محترمة ومتعلمون وطيبون...
وهناك مثل معروف يقول: (بني حميدة ذباحة الدول)... وإن الشخص الذي ذبح الدول هو (طابع الحويان) من بني حميدة.
وذات يوم كنا نقوم بتهنئة ومعايدة (سيدي حسن)، سمو الأمير الحسن بن طلال – بمناسبة عيد الفطر وكان من بين المهنئين شيخ من مشايخ بني حميدة يقال له (أبو بريز) فصار يذكر مناقب رجل أسمه (رجا الحويان) في الشجاعة والطيب... فسألني وقال لي: هل هو والدك؟...
فقلت له: لا... أن هذا الشخص هو من بني حميدة واسمه مطابق لاسم والدي (اسم على اسم)... علماً بأن أراضي (حويان بني حميدة) في ذيبان تقع بالأماكن التالية: الذهبية، ذيبان، حنو السكران، الشقيق، قهقهه، فلحا، والحميدان.
حويان القريات/ السعودية هم نشامى وأهل كرم... وهم عدة عائلات... ويعملون في وظائف الدولة.
المرحوم الحاج (رجا الحويان) من أعلام البلقاوية
والدي رحمه الله هو: رجا بن مطلق بن سلامة بن سليم بن ربيع الحويان...
... في الأيام التي ولد فيها المرحوم والدي لم يكن هناك تدوين للولادات... وبالتالي لم يكن هناك قيد يتم الرجوع إليه؟!... لكن (العربان) كانوا يقولون: فلان راح معانا... أو فلان علل فلانة... أو يقولون عللها معنا في (المراح) الفلاني... –المراح- أي السنة الكاملة... أو يقولون: فلان اشتغل معنا... وصار كذا... وفي السنة الفلانية دخلوا علينا العشائر الفلانية (ضيوفاً) وكان الوقت شتاءً أو ثلجاً أو محلاً...
فحسب الروايات قالوا بأن المرحوم والدي تشارك مع (دروبي السمارة) من سكان أبو علندا... تشارك دروبي مع والدي بالفلاحة بـ (الوسية) وهي أم الحيران: التي أقيمت عليها مباني الإذاعة والتلفزيون الأردني والجمرك ووكالة الغوث...
وقرية أم الحيران الآن تقع شرق الجمرك ولا تزال موجودة وفيها آثار قديمة وقدمناها هدية للجيش العربي وهي مليئة بالمغر والكهوف وآبار المياه العذبة... وكانت جدر لعشيرة الحويان تقدر مساحتها بـ - 600 دونماً -...
المرحوم (رجا الحويان) عاش 140 عاماً
لقد تشارك والدي (رجا الحويان) مع دروبي سنة 1335هـ. قبل ما يقارب الـ (100 سنة هجرية) تقريباً؟!... وكانت شراكة بأمانة وإخلاص.
لقد توفي المرحوم والدي سنة 1975م وبحسب تقديرنا أنه توفي عن عمر يناهز المائة وأربعين عاماً (140 عاماً) وقد تزوج زواجه الأخير قبل وفاته بخمس سنوات وكانت زوجته تقول: لو أحضرتم له بنتا لكان كفؤا لها؟!... وقد كتبت عنه الصحف والمجلات وقاموا بتصويره.. وسمعت من ناس آخرين بأنهم كانوا يشاهدونه وهو ذاهب للبحث عن عروس ويقول لهم: "لا تعلموا عني" أي لا تخبروا عايش عني...
الشهيد بشير الحويان:
هو من عشائر البلقاوية وكان شيخاً لعشيرة الحويان... وكان سخياً لا يمل من العطاء، ويكرم الضيف، وفارساً شجاعاً، ويكرم الضعفاء والمساكين والأرامل.
(أيام زمان) كان الناس بالأردن لا يحبذون بيع السمن فكان يقوم بتخزين السمن في براميل كبيرة مقصدرة من الداخل بشيء من النيكل... وفي بداية السنة بأيام الشتوية يفتح هذه البراميل لأنه قد تم تخزينها من أجل الاستعمال أثناء الشتاء فكان بشير يقوم بتوزيع هذا السمن على كل بيت محتاج فكان لا يمل من العطاء... كان يسكن بمضارب البلقاء هنا في (الوسية وأم الحيران) وبلادنا الشرقية في الحفنة والمطبة وقعفور وأراضي البلقاوية (مضارب البلقاوية جنوب عمان)... وكانوا يردون على رأس العين حيث كان يجري سيل عمان حتى يسقوا حلالهم وإبلهم وغنمهم... وكان يسكن في بيت شعر (مثولث على 3 وسط)....
من هم أصدقاؤه؟... وممن هم أنسباؤه؟
كان البلقاوية كلهم أصدقاؤه ومنهم شاهر الحديد...
وكان البلقاوية يحبون أن يناسبوه والقرب منه... ومن الناس الذين ناسبوه: منور الحديد وشاهر الحديد... وظاهر الذياب الفايز، ومنصور الدريبي الزبن... فقد تزوجوا من بناته ولهم أبناء منهن... وكذلك فإن بشير الحويان قد ناسب الدعجة والقهيويين وله من الأبناء والأحفاد عشيرة كبيرة.
استشهاد بشير الحويان ودفنه بالمقابر الملكية:
أثناء غزو الوهابيين (الخوين) استشهد بشير الحويان في ذلك اليوم في المعركة التي دارت حول اللبن (رجم الخمان) عندما كان يدافع ببسالة عن البلقاوية وعمان والوطن الكبير... وكذلك فقد استشهد في هذه المعارك من البلقاوية الشهداء: بخيت الرقاد، وسليمان القطارنة، وعلي الفارس الشوابكة البركات...
وقد أمر المغفور له الملك المؤسس جلالة الملك عبد الله الأول (طيب الله ثراه) بأن يدفن الشهيد بشير الحويان بالمقابر الملكية الموجودة الآن في مضارب بني هاشم.
وقد أطلقت أمانة عمان اسم الشهيد بشير الحويان على أحد شوارع الجويدة / أم زعروة.
عمان أيام زمان
سوق الحلال:
يقول الشيخ الحويان: أذكر أن سوق الحلال في عمان كان في موقع "شارع سقف السيل – الآن – " والذي يعرف الآن بشارع قريش علماً بان السيل لم يكن مسقوفاً آنذاك فكان السوق ينعقد في المنطقة المواجهة للكنيسة الموجودة "الآن"، وأذكر أنه كان يوجد ثلاث عيون ماء من الجهة الشمالية للجنوب، وكانت هذه المياه مثل الذهب... وكان يشرب منها أهل عمان... وكنا نشرب منها ونتناول طعام الغداء عندها، ويضيف: كانت بلدية عمان تأخذ "باج" أي ضريبة بسيطة حوالي "شلن" أي -5 قروش- على كل رأس يتم بيعه في السوق، وكان ذلك في الثلاثينيات ومن القرن الماضي وكان الناس في عمان وما حولها وفي مناطق مختلفة من الأردن يأتون إلى سوق الحلال لبيع وشراء الحلال، فكان الحويطات والحجايا والسلايطة والحمايدة والبلقاوية يقومون بتوريد حلالهم إلى هذه السوق وكان أهل الجنوب يحضرون أغنامهم بالقطار إلى محطة "أم الحيران" وكان اسمها "القصر" ومن أم الحيران كانوا يقومون بتوريدها إلى سوق الحلال، وكان يتم بيع وشراء الحلال بأنواعه، والجمال، والحمير، والخيول، والأبقار والأغنام وكل أنواع الحلال.
وقال الشيخ: أذكر أنه كان يوجد عدد من التجار الكبار المعروفين: واحد من السلط، واثنان شوام، وتاجر شامي يدعى عكاش كان له مطعم السرور، وكان حافظاً لتاريخ مدينة عمان، وكان سوق الحلال يفتح ليوم في الأسبوع "يوم الخميس" وكان هذا السوق على سيل عمان كما ذكرت في "شارع سقف السيل الآن"... وبعد ذلك نقلوا سوق الحلال إلى رأس العين.
سنة الهزة:
يقول الشيخ الحويان: قالوا إنه جاءت هزة أرضية وضربت عمان بأواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات وكانت قوة الهزة كبيرة وقالوا بأن الأحجار الضخمة والكبيرة كانت تمشي وتتدحرج من الجبال... الشيخ سليم الكيالي كان مؤذناً وإمام المسجد الحسيني في عمان أثناء صلاة الفجر... عندما حدثت الهزة كان الشيخ الكيالي على رأس المئذنة.. وقال شهود عيان بأنه وقعت أحجار من المئذنة على أناس كانوا تحتها "في تلك اللحظات عند حدوث الهزة"... ومات عدد منهم نتيجة لذلك، بينما بقي الشيخ سليم الكيالي على قيد الحياة ... وقد استمر الكيالي بالأذان رغم وقوع الهزة وهو على رأس المئذنة وهي تتأرجح.
سنة الثلجة:
وذكر الشيخ أن الناس زمان كانوا يقولون عن سنة الثلجة "قمعة" لأنها – قمعت" الناس... فقد نفقت الدواب والجمال والغنم... لأن الثلجة جاءت فجأة بغير موسمها في شهر نيسان "حسب ما سمعت" في الثلاثينيات من القرن الماضي... الناس طلعت من "المشاتي" لأنه لم يبق شيء يرعى الحلال عليه... فجاءتهم الثلجة فجأة... ولم تكن في ذلك الوقت أرصاد جوية وهذه النعمة الموجودة الآن.. حتى تنبه الناس بمجيء الثلج "وهو غير متوقع في شهر نيسان".
ونتج عن هذه الثلجة الكبيرة، موت المواشي والدواب، وكان الموسم الزراعي ممتازاً "غلال"، كما تضرر أهل عمان وما حولها.
وكان "بشير الحويان" عنده – 3 شلايا غنم – كلها ماتت دفعة واحدة... وجاءت النساء حتى يأخذن الصوف من الأغنام الميتة، فقال لهن: "قومن.. هل ترغبن بأخذ الصوف من الفطائس... ابتعدن عن هذه الأغنام.. أنا أخو عليا". أي لا يهمني إذا راحت الغنم يخلفها الله، وكان موسماً للزراعة متأخرا وزرع بشير الوسية بالقمح وقد غلت غلالاً عجيباً ولم يرتفع القم فصار تقريباً 30 سنتميتراً لكن الرأس كان قوياً ورد الأغنام كما كان عددها سابقاً من هذا الغلال.
وعندما حان موعد الحصاد بسنة الثلجة كان الزرع في "الوسية"، أي بنفس الموقع الذي بني عليه الآن مباني الإذاعة والتلفزيون في عمان، كان موسم القمح في هذا الموقع "غلال"... كان القمح قصيراً لكن كان حجم سنابل القمح ضخماً... لأنه قد زرع بغير وقته وولدت الغنم وتكاثرت... ورجعت أعدادها كما كانت في الماضي.
كان "بشير الحويان" مشهوراً بالسخاء.. وقال عنه الشاعر:
هذا بشير الحويان
مشبع الربع الجيعان
حتى النسر أبو الجنحان
يبشر نفسه بالعدل
بشير يا ملا بشير
لا يا ريف المسايير
يصب السمن غدير
ويذبح حيل سمينات
هذا بشير الحويان
صيته وصل ابن شعلان
وتعدى لابن سعود وفات
وكان لا يخشى الفقر ولا الموت إذا دخل المعارك.
سنة الجراد
قال الشيخ: سمعت من كبار السن "الختيارية" بأنه في هذه السنة أكل الجراد الأخضر "الزرع" ولم يبق منه أثراً... أسراب الجراد الكثيفة التي غزت عمان كانت تقضي وتهلك الزرع من شجر وزرع وحبوب وعشب في الصباح تكون الأرض خضراء وفي المساء يتحول اللون إلى أحمر "لون الأرض" بعد أن يأكل الجراد "الزحاف" الزرع والعشب... "الزحاف" أي أن هذا الجراد وضع بيضه على الأرض، ثم فقس هذا البيض على الأرض... وبعد أن فقس البيض صار جراداً يزحف على الأرض.
في ذك الوقت لم يكن هناك وسائل حديثة لمقاومة الجراد والقضاء عليه، وكان قسم من الناس يأكلون منه ويطبخون منه.. وقسم من الناس قاموا بتجفيف الجراد حتى يأكلوه فيما بعد.. أو يعملوا منه شراباً.. أو قاموا بطحنه.. وحسب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أحل لأمتي مينتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال"...
ويقول الشيخ الحويان: أتذكر أن سيل عمان كان قوياً نظراً لشدة تساقط الأمطار... فكانت أيام زمان سنين خير والذي أدى إلى اضمحلال السيل "الآن" هو قلة تساقط الأمطار وكثرة الآبار الارتوازية وعملية شفط المياه مما أدى إلى جفاف السيل.
ومن الآبار التي كانت قديماً بئر السعودي الذي كان موجوداً عند جسر المهاجرين ويملكه واحد من عائلة السعودي.. ومن المطاحن القديمة مطحنة فايز "من بني صخر" وكانت تعمل على الماء بجانب سيل عمان ومطحنة السعودي كانت مطحنة حديثة وكبيرة وتختلف عن المطاحن القديمة التي كانت تعمل على "القني" وبالوسائل القديمة... فكانت مطحنة السعودي حديثة وتعمل على ماتور ومطحنة الصابر وكانت قبل مطحنة السعودي بالأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
خان للخيل:
ويقول الشيخ: أتذكر خانا للخيل والحمير كان بجانب مخفر المهاجرين القديم، وكان يأخذ أجراً على مبيت الدابة مثلاً قرشاً واحداً، وكانت العملة بذلك الوقت الجنية الفلسطيني وكان يوجد "حذاء" يحذي الخيل، وآخر الحذائين أتذكر بأنه الشيخ صالح البيطار رحمه الله الذي توفي عند المسجد الحسيني وكان أحد دراويش مدينة عمان وكان يرتدي عمامة بها ألوان من الأقمشة الحمراء والخضراء والصفراء...
سكان عمان القديمة:
وتحدث الشيخ عن سكان عمان القديمة فقال: منطقة رأس العين وما حولها كان يسكنها إخواننا الشراكسة وقسم آخر من إخواننا الفلسطينيين وهم من لواء نابلس وهم من "العقاربة" وكان مختار حارة المهاجرين وكذلك حي المصاروة في جبل عمان قديماً هو "الشيخ عبد الرحمن العبد العقرباوي" وهو أصلاً من الجزيرة العربية من مكة المكرمة ويقال لهم "الشيبي"... وجاءوا من هناك إلى "عقربا" ثم قدموا إلى عمان، وحي المصاروة ينسب إلى "المصاروة من أهل سحاب" وليس المقصود هنا أهل مصر.
وكذلك كان يسكن في عمان القديمة قوم من المكاحلة وكذلك إخوان لنا من أهل الشام "الشوام" وفي شارع الشابسوغ كان يسكن إخواننا من الشراكسة من حمايل يقال لهم "القبرطاي" من قوم حسن بطز وجنكات وكلمات وغيرهم، وآل المفتي وكان منهم أمير وزعيم الشركس في عمان.
وفي منطقة رأس العين كان يسكن مغاربة من الشركس والعقاربة، وعلى الجهة الجنوبية يسكن المكاحلة وحسن الحوراني والعرامطة "آل العرموطي"...