في توسل المرأة الفنيقية للسيد المسيح ليشفيَ ابنتها حبيبتها التي صَرَعها شيطان فأصابها بالجنون، صمتَ صَمتاً رهيباً في البداية "ولم يجبها بكلمة" (مت 23:11)، مما أثارَ موجة من الاستغرب لدى الحاضرين. فالصمتُ محيِّر ومقلِق أحياناً لأنكّ لا تعرف ماذا يكمن في قلب وفكر الصامت، أهل هل موافق أو معارض أم مستنكف.
أحياناً كثيرة نحتاج أنْ نصمتَ في حياتنا لندع الآخر يتكلم ويخرج ما صدره وما في قلبه. فالصمتُ قوة وقدرة وعظمة، يعطي الفرصة لإستخراج ما في قلب الآخر من فكر ومكنونات.
أحياناً كثيرة يحتاج الناس للكلام والتعبير عما يجول في أعماق قلوبهم، ولا مجال لسماعهم إلا إذا وجدوا من يَصمِتَ ويُصغي لهم. وكما يُقال أنَّ الله خلق لنا أذنين إثنتين ولسان واحد، وليس العكس لنصغي أكثر مما نتكلم. فالقدرة على الإصغاء نعمةٌ كبيرة لا يُقدِّرها إلا من يَعيها، وهي طريقٌ لفهم ما يَصعب فهمه والإستماع لأنّات القلب ودقاته. فالطبيب يستخدم السماعة على صدر المريض ليسمعَ دقات قلبه التي يَصعب سماعها بدونها، وهكذا فالصمت لدينا يزيد قدرتنا على الدخول إلى أعماق الناس والسماع لدقات قلوبهم ومكنونات صدورهم.
فإصغاء السيد المسيح لتلك المرأة الفنينقية كان سبباً في معرفةِ حقيقيةِ قلبها المؤمن الصابر المثابر، فكان لها ما أردات إذا شفيت ابنتها في الحال، لأنّها بصمتِهِ واصغائه استطاعَتْ أن تُوصلَ إليه ما يكمنُ في قلبها من إيمان قوي ويقين ثابت.