يُتعِبُنَا أحياناً كثرة الكلام الذي لا يفضي إلى شيء تماماً كما في المثل الشعبي الدارج " تسمع جعجعة ولا ترى طحينا". وهذا يَكثر في الشعارات البرّاقة خصوصاً المتزامنة مع الإنتخابات البرلمانية، فالكلام كثير، ولكن قلَّما يُترجم إلى برنامج عمل وواقع ملموس. فهل على الكلام جمرك أو ضريبة؟ ولو وجد لما تكلم أحد كلمة واحدة أو رفع شعاراً واحدا.
وعلى عكس الكلام فهناك "الصمت المتكلِّم"، الصمت الذي لا يَنطق بكلمةٍ واحدة، لكنه ينطق فأفعال عظيمه، أفعال غيَّرت مجرى التاريخ ومجرى الأحداث وأحدثت نقلة نوعية في الحياة البشرية، ومثلُ هذا الصمت هو ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم، وكلما ارتقى الإنسان بفكره وقلبه وعلمه وحكمته كلما قلّ كلامه، وفي كلامه تكمن الدرر والمفاتن.
وأعظم مثال لنا في "الصمت المتكلِّم" هي السماوات والخليقة من حولنا "فالسموات تحدث بمجد الإله والفلك يخبر بعمل يديه"، فهناك حديث يومي تتحدث به السموات وتخبر به الخليقة المسكونةَ كلَّها، لكنَّه حديث صامت من غير كلام أو جعجعة، لكنّه حديث يُسمع صوتُ صمتِهِ وتُسمع صدى كلماتِه من كلِّ من يصغي إليثه بانتباه بأُذن قلبه، فيسمعَ ما تتكلم به وما تريد أن تُحدّث به عن مجد الله وما تريد أن تخبر به عن عَمَلِ يديه، وحديثها هذا موجه لكلِّ سكان المعمورة دون استثناء والحمد لله.
فهل نَسمعُ صوتها ونكونُ كالشمس المشرقة الخارجة بأبها حلتها وبهائها وضيائها على المسكونةِ كلِّها لننشر نور المعرفة والحكمة والعلم والسلام، وهل نكون كالمتسابق المجِّدْ للسباق بفرح فنغدو في ميدان الحياة بقوة وشجاعة؟
فلنذكلا أنّ السماءَ والخليقةَ في صمتهما المتكلم كلامُ حكمةٍ وعلمٍ كثير، تعلّمنا أن الحديث هو أكثر من مجرد كلام وأنَ الإستماع أكثر من إصغاء.