منذ أقدم عصور البشرية على وجه البسيطة والصراع الدائر بين بنو البشر مستمراً حول الحصول على الغذاء لديمومة الحياة حيث كان الصراع قديماً على الكلأ والماء وتوفرهما وكيفية الحصول عليهما لاستمرار حياة المجتمعات وكان هذا الصراع يأخذ إشكالا مختلفة منذ القدم من العصور القديمة إلى عصر الإقطاع إلى التبعية الاقتصادية والاحتكار وسوق المنافسة وعصر التبعية السوقية لما للأمن الاقتصادي ممثلاً بالأمن الغذائي من أهمية في حياة الشعوب واستمرار حياتها وتطورها وتقدمها فقد قال الله تعالى في كتابة العزيز: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) صدق الله العظيم.
فأمن الغذاء قدم على الأمن المادي والنفسي لما لقلة الغذاء من أهمية وتأثير على حياة بنو البشر فالحصول على الغذاء وتوفره أمر في غاية الأهمية فالأمن الغذائي الزراعي يعتبر من أولويات المرحلة الحالية مع التغيرات في البيئة الدولية وتأثير الأزمات العالمية وأخرها جائحة كرونا(COVID-19)على مصادر الغذاء الزراعي وحاجة المجتمعات إلى المنتوجات الزراعية بكافة إشكالها ومصادرها مع ارتفاع تكاليف هذه المنتجات عند استيرادها من الدول المصدرة لها وتشكيلها عبء أضافي على الموازنات العامة للدول المستورة وتحكم الدول المصدرة لهذه المنتجات في السوق وفرض حرب الغذاء والتحكم بها ولما للأمن الغذائي الزراعي من تأثير على الأمن الاجتماعي والرخاء والتقدم وخلق حياة أفضل للمجتمعات.
وقد أشار جلالة الملك عبدالله حفظه الله ورعاه في كلمته في حوار بورلوغ الذي نظمته مؤسسة جائزة الغذاء، في تشرين الأول(2020)، إلى أهمية الأمن الغذائي ومدى خطر نقص الغذاء في ظل جائحة كرونا وما بعدها وضرورة تحقيق الأمن الغذائي بمفهومة الشامل ليحقق نتائجه الايجابية للحد من الجوع ونقص الغذاء في كثيراً من المجتمعات البشرية وضرورة تكامل الجهود الدولية على المستوى العالمي لتحقيق التكامل الغذائي العالمي وتحقيق حياة كريمة.
أن النهوض بالقطاع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي الزراعي على مستوى المحلي يحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية والشعبية في سبيل العودة إلى الأرض واستصلاحها وزيادة الرقعة الزراعية ودعم القطاع الزراعي من خلال توفير البنية التحتية اللازمة وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار تفضيلية وتشجيع المزارعين على زيادة المساحات المزروعة واستغلال الأراضي القابلة للزراعة والمملوكة للدولة من خلال دراسات مسحية متخصصة لتحديد الأراضي القابلة للزراعة وكيفية زراعتها واستغلالها من قبل المزارعين ضمن شروط معينة تراعي مصلحة الوطن وتحقيق مردود مادي مناسب للمزارعين وتخفف من متلازمة الفقر والبطالة.
أن التوجيهات الملكية إلى الحكومة بأجراء الدراسات المسحية المتخصصة لمدى الاستفادة من الأراضي الغير مستغلة والصالحة للزراعة والتي تشكل (70%) من المساحة الكلية الصالحة للزراعة من أراضي المملكة حسب دراسة لوزارة الزراعة(الزراعة بالأرقام، 2018-2008) وهذا يشكل توجهاً استراتيجياً على مستوى الأمن القومي لما لاستغلال الأرض من أبعاداً اقتصادية واجتماعية وأمنية تدفع بتعزيز مفهوم التنمية البشرية المستدامة الشاملة بحيث تزيد من الارتباط المادي والمعنوي للمواطن الأردني تجاه الأرض وزيادة مستوى الأمن الاجتماعي مما يخفف من متلازمة الفقر والبطالة والتي ترتبط بالأمن النفسي وتخف معدلات الجريمة الممتهنة والتي شاهدنا مدى خطورتها في الفترة الأخيرة وكذلك زيادة الدخل الفردي والجماعي للأسر التي تعمل بالزراعة وتشغيل القطاعات الاقتصادية المختلفة كافه مما يحرك عجلة الإنتاج وزيادة قيمة مساهمة قطاع الزراعة في الدخل القومي وتقليص قيمة المستوردات بالعملات الأجنبية والاتجاه على الاعتماد على المصادر المحلية واشتغالها بالشكل الأمثل لإحداث تغيير ايجابي بمستوى المعيشة للمواطنين