إستمعتُ اليوم للقاء تلفزيوني مع د. هاني العمد وهو يتحدث عن جهوده الكبيرة وهو يجمع الأغاني التراثية الأردنية ، وكيف كان يتنقل بين القرى الأردنية ليوثق تلك الأغاني والأهازيج من أفواه أصحابها .. تذكرتُ أني قمتُ وبمرافقة صديقي ورفيقي د. هاشم محمود الزيود وكان ذلك في منتصف التسعينات ، وكنّا آنذاك طلاب جامعة ؛ هاشم كان في الجامعة الأردنية وكنت في جامعة مؤتة ، قمنا وقتها بمشروع جمع أشعار الشاعر المعروف حسن الزيودي والملقب ب ( زناد البلقا) والذي عاش في القرن التاسع عشر، وفاق صيته المنطقة ، وقد أستعرتُ يومها من صديقي المرحوم حبيب الزيودي مُسجلا خاصا ومزودا بمايكرفون، وكان حبيب يومها يعمل في الإذاعة الاردنية ، قابلنا خلال فترة زمنية قصيرة مجموعة من أبناء المنطقة ممن يحفظون أشعار حسن الزيودي وممن أذكرهم هنا :المرحوم عايد مفلح أبوجابر وشقيقه المرحوم محمد مفلح أبوجابر ، وكانا يقرضان الشعر وبحفظان الكثير منه ، وكذلك قابلنا المرحوم إبراهيم سليمان الشاعر والذي يعتبر الشاعر حسن الزيودي من أجداده وعرفت أن اسم (الشاعر) جاء لكثرة الشعراء في عائلتهم ... وأيضا مما قابلناهم آنذاك المرحوم نويران خلف العلوه... والحقيقة أنها كانت بداية لمشروع ثمين لجمع الشعر الشفوي من أفواه الرجال الذين حفظوه عن ظهر قلب ، والذي يمثّل جزءا مهما من تاريخ منطقة البلقاء وتاريخ قبائل المنطقة بأحداثها ومنازعاتها وتنافسها ، ويسلّط الضوء على شخوص وفرسان تلك العشائر ، حيث كان الشاعر الزيودي في تلك الحقبة بمثابة الناطق الإعلامي بما كان يسمى "حلف البلقاء" آنذاك.
لظروف كثيرة توقف المشروع ولا أعرف أين ذهبت أشرطة الكاسيت لتلك التسجيلات ، وودتُ أنه لو كانت هناك جهة رسمية تبنّتْ ما قمنا به من جهد فردي وحفظته ضمن ذاكرة المكان والإنسان لبلدنا .
أذكر هذه القصة اليوم والتي مرّ عليها سنوات كثيرة ولكن كانت فكرة ريادية في زمنها وتحمل وعيا ثقافياً عالياً من شباب كان أقرانهم مشغولين بقصات الشعر وأغاني المطربين .
تحية لصديقي د. هاشم الذي أبعدته الغربة عنّا، وغاب قسرا عن لقائنا هذا الصيف .