كسر بخاطره المذيع، لم يُسمعه حتى كلمة ترفق به، فقط قال له: ما تمنيتها منك يا أبو محمد.
كيف تجرؤ يا ابو محمد أن تحلم بأن تعيش انسانا ككل البشر.
له يا ابو محمد، لا تعيدها مرة أخرى، فتوشك ان تتهم بأنك بدأت تتخبط في مشاعر الانسانية والأبوة.
كيف تجرؤ ان تشعر بكسرة الخاطر وأنت ترى اطفالك وقد قتلهم البرد.
هل تعلمون ما القصة؟ القصة أن متقاعدا عسكريا لا يجوز له أن يسعى لسقف بيت يؤويه ويؤوي اسرته، ولا يجوز له ان يشتكي إن نقص الكاز والغاز في منزله.
القصة أن المتقاعد ابا محمد اشتكى ان بيته الذي بناه بقرض بنكي على راتبه، يشفط كل راتبه ولا يتبقى له شيئا ليطعمه او يدفئ اسرته.
القصة أنه غلط واتصل باذاعة، وقال "والله كاز ما عندي" فاستقبله مذيع، وحاصره واغلق عليه حتى الهواء.
القصة أن رجلا، من الحاجات الخاصة، أعني متقاعدا عسكريا، غلط واتصل باذاعة.
الحق أننا نجهل من هي، وبمذيع لا نعلم من هو، ولا نعلم إن كان في الاردن او خارجه سوى أن اللهجة أردنية.
انا اسف على وصف المتقاعدين العسكريين من ذوي الحاجات الخاصة.
وانا اسف أني اضطررت سماع المقطع الصوتي الذي "نكّس" فيه المذيع المتصل، وحوله الى رجل قليل الحيلة، عاجز لا يستحق منا حتى الشعور بالحزن على حاله.
الرجل اعني المتقاعد العسكري، كان طوال الوقت يشعر بالامتنان انه اردني، ويريد ان يؤكد طوال فترة اتصاله انه ليس من المعارضة، وانه مع الوطن، ومع الامن والامان، لكن ذلك لم يشفع له أمام المذيع .
هذا ما استفزني مرة اخرى في المقطع الصوتي.
"نكّسه" المذيع، وحاصره، فكيف نام المتقاعد العسكري ليلته اذا؟
ربما نامها على موسيقى تتغنى بالامن والامان.
ربما غنى هو مع الموسيقى شيئا عن كسر الخاطر، وربما انه كان سعيدا وهو يرى اطفاله وهم يلعبون مع لسعات البرد ليلا قبيل النوم، وكأن هذه اللسعات قصة ما قبل النوم.
وربما وربما، لكن ما هو اكيد انه لا يحق للمتقاعد العسكري ان يعيش كما نعيش، أليس يكفيه أمنه وأمانه؟.
يا ويحه لكأنه تحول الى معارض والعياذ بالله وهو يرى اطفاله الجائعين يرتجفون من البرد.
وكأنه صار يشعر كما نشعر بحقه في أن يكون إنسانا مثل كل البشر.
لا يا ابو محمد..لا تكررها مجددا وتحلم أن تتصل فيستقبلك القوم بالكلمة التي تطيب خاطرك، حتى وإن لم يسعفوك بالدفء او بلقمة. حتى لو لقمة واحدة.