الحياة صراع طويل وأحياناً مرير وصعب، ولكنه صراع جدير بالخوض في مضماره، فهو من متطلبات الحياة الكريمة العزيزة التي لا مفّر منها. نحن لم نُخلق على جواعد من حرير أو بملاعق من ذهب في أفواهنا، بل خُلقنا لنأكل خبزاً بعرق جبيننا "بعرق وجهك تأكل خبزا".
والخير كلِّ الخير في الإنسان الذي يعمل ويؤسس للسمتقبل ويمهد الطريق أمام أولاده واضعاً لهم أسساً سليمة تعليمية وأخلاقية وثقافية ومالية واستثمارية لأكمال المشوار والبناء على تقدم وأُنجز. ولكنْ هذا أيضاً وحده لا يكفي لأنَّ الفردَ عندما يُركُن على عمَل من سبقوه يفشل لا محالة ويبدد كل ما ورثه، فيحتاج لذلك إلى المزيد من الجهد والتعب والمثابرة للبناء على الإنجازات التي تحققت للحفاظ عليها والبناء عليها، " وإن الفتى من يقول ها أنا ذا وليس الفتى من يقول كان أبي".
فالحياة إذا تتطلب منَّا السَعي والمثابرة وليس الاتكال والإستكانة وطلب العون الألهي من غير عمل جاد منظم ومرتب ومخطط له وذات خططا استراتيجية وآليات تنفيذية ومراقبة وتقييم، وصولاً للأهداف المرجوه.
واليوم نحتفل بعيد بشارة العذراء المباركة مريم والتي تتصدر صفحات الكتاب المقدس وخصصت لها صورة كاملة اجلالا لها لمقامها في القرآن الكريم، وقد تعودنا منذ مدة أن نحتفل بعيد البشارة احتفالاً مشتركا اسلامياً- مسيحيا كعيد وطني على غرار الإحتفال به في لبنان الشقيق الذي نصلي لأجله، وذلك تأكيداً على المشتركات والمنطلقات الكثيرة التي تجمعُنا والتي تعمّق إنسانيتنا وخضوعنا لله الواحد الأحد.
وعلى غرار تلك البشارة السماوية، فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى بشائر الخير مثلها في مجتمعنا الأردني الكريم، فقد تعبنا من النظرة السوداوية حتى من بعض المسؤوليين أو القياديين، وإننا أحوج ما نكون اليوم، ورغم المرور على حقائق الواقع الصعب، إلى بشائر الخير ورفع المعنويات للملمة الجراح واستنهاض الهمم لبناء الوطن الأغّر وجعل رايته خفاقة عالية نذود عنا بأرواحنا ودمائنا، لأنَّ الوطن كرامة وعزة وهُوية وبدونه لن نقدر حتى أن نمارس حياة الإيمان وشعائرنا الدينية خير ممارسة.
في ذلك فإننا كأردنيين نشّد على أيدي صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم ونحن على أعتاب المئوية الثانية، بالعمل المخلص والرصين لتحقيق مطالب الإصلاح الشامل والثورة الإدارية واجتثاث الفساد والإدارة الحصيفة المسؤولة والعدالة الإجتماعية وتكافئ الفرص للجميع والمواطنة في إطار الدولة المدنية، ولكننا لا ننجّرُ وراء كل ذلك بطرق فوضوية تحريضية تهدم الإنجاز ولا تبني عليه. بلا شك يعتري أية مسيرة بعض الشوائب والنواقص والقصور، ولكن هذا لا يعني التطاول على سلطة الدولة أو الوقوف بوجهها وقفة تحدّي، فدولتنا التي ننعم بظلالها تظللنا في مظلة من الأمن والأمان وقد حفرت اسم بلدنا الأردن بحروف من نور وذهب بسواعد الأردنيين وقيادته الهاشمية المظفرة، وتمتعت بسمعة عالية مرموقة علينا أن نحافظ عليها فوق أي اعتبار.
كلنا مع التغيير والتطوير، لكن من غير أن نعرِّض بلدنا الأردن للخطر، وبكل حكمة وترو ورؤى مدروسة، ملتفين حول قياتنا الهاشمية المباركة التي هي صمام الأمان لبلدنا ولمستقبله، والذي لن نرتضي عنه بديلا.
من يصدُق نفسه يصدُق الوطن، ولكنْ واضح أن هناك حملات تستهدف الوطن، وتستهدف زعزة أمنه واستقراره، وهذا لا ينفي بوجود ما يسمى الولاء والمعارضة، لكنهما يجب أن يتسم كلاهما بحب الوطن أولاً وليس خدمة الأجندات الخاصة والمأجورة.
بشارة الملاك للعذراء المباركة مريم أتت في ظروف صعبة معقدة اجتماعيا، واقتصادياً وسياسيا قبل حوالي ألفي عام، ونحن اليوم على أعتبار المئوية الثانية نحتاج أن نحمل في جعبتنا بشائر الخير لمجتمعنا الأردني مهما كانت الأحوال صعبة وقاسية ومؤلمة، فلا خيار آخر أمامنا.