غموضُ كثيرٍ من الأمور وسبب تعقيدها والوقوع في أحبالها هو محدودية التفكير وقصر نظر التفكير وعدم أخذ شمولية التفكير بعين الإعتبار، لأنَّ الشيء هو جزء من الكل، ولفهم الجزء لا بد من وضعه في شموليه حاله أو وضعه، ولذلك عندما نتفكر في كثير من الأمور المحلية لا يكفي أن نفتكر بها كأمر لوحده بل أن نضعها في سياقها العام وفي إطار مفهومها العالمي الشمولي، لأنَّ العالمَ كلّه كتلةً واحدة مترابطة خصوصاً في ظل مفهوم العالم الجديد وتَرابُطِه في مفاهيم السياسة والإقتصاد والثقافة التي تؤثر لا محالة على حياة كلِّ سكانِ البشر وفي كل مكان على الكرة الأرضية.
ومع تقدم العلوم وسرعة وصول المعلومة في أجزاء كبيرة جداً من الثانية واختراع الكمبيوتر الأسرع في العالم في اليابان أصبح هناك ضرروة للعالم أن يتأقلم مع العالم الجديد ولا يبقى على المفاهيم القديمة أو التخوفات الوضعية، لأنَّ الجديد يتطلب أن يعيدَ الإنسانُ النظر في طريقة تفكيره وفي طريقة حياته وفي طريقة تعاطيه مع الأمور، وإلا فإن سرعة التحول العالمي سوف تكون وَبالاً خصوصاً على دول العالم النامية المنشغلة بأمورٍ ربما أقل أهمية أو أقل ضرورية أو حتى غير مناسبة بالبتة مع تغيّر شكل الحياة وأولوياتها وضروراتها.
إن أمماً كثيرة قد نهضت من تحت الركام بعد الحرب العالمية الثانية، لأنها آمنت بقوة الحياة وبالنظر للواقع وضرورة وبناء الأشرعية من جديد والنهوض به بدلاً من توجيه اللوم على أسباب الدمار أو البكاء على الأطلال أو التغنّي بأمجاد الماضي، وسعَت هذه الدول إلى التطوير والتحديث رُغم تعدُّدِ المشارب والأصول والأديان والثقافات وذلك من خلال فرض هيبة وسيادة القانون الذي يُساوي الكلَّ به وأمامه دون مواربة، وفي منح الجميع حقوق مواطنة كاملة، فلم يعد هناك فرق بين أحد على آخر إلا بمدى العمل الصادق والمخلص والأمين، فمثل هذا العمل هو معيار التميّز والتقدم والرُقي، وهذا يخلق حالة تنافسية إيجابية في المجتمع تَفرز الأفضل والأكفئ في تبوأ مراكز المسؤولية وصنع القرار وقيادة الرأي العام.
ومن هنا نرى بأنَّ المسؤوليةَ هي مسؤولية مشتركة وشراكة مجتمعية لا تستثني دور الفرد في صناعة المجتمع وتقدمه، وهذه المسؤولية تَلغي إنتظار الفرد لوجبةً جاهزة تقدم له، بل ويشارك في طبخ مكوناتها لصنعِ ما لذّ وطابَ، فتكون هذه المشاركة سبّب نقلة نوعية مجتمعية وحضارية.
لذلك فالتقوقع والإنكفاء على الذات والعصبية والحصرية أمور تدعو إلى التراجع والتقهقر، لكنَّ شمولية التفكير تسطعُ بنورها على إضاءة نقاط صغيرة تتضح أكثر فأكثر، وتشكل جزءً من الكل الذي يحقق المنفعة العامة.
فليكن فكرنا شمولياً في تفكيره لنقدر أن نعالج ثغرات مجتمعية تراكمت وترسبّت مع الزمن.