مواليد اللبن 1948 والتحق في سلك الامن العام شرطة البادية 11/5/ 1966 وتوفي في 24/2/2014صاحب الفال ابا غازي اقتبس هذه المقالة من لقاء خاص معه 2009 .
الاعراف والتقاليد العشائرية .. بين الماضي والحاضر
بقلم المرحوم المقدم
صالح عسكر الــعــقــاربــه
_قدر لي العمل في قيادة البادية الملكية ومستشارية العشائر مدة ثلاثين عاما امضيت جلها في شؤون العشائر مما اكسبني خبرة عزيزة اكتسبها من التعامل اليومي مع شيوخ وقضاة العشائر الاردنية الذين انتقل اغلبهم الى رحمة الله تعالى.
شكل هؤلاء الشيوخ والقضاة مدارس فكرية حقيقية أمدت الاجيال بالحكمة والمعرفة التي استقوها من طبيعة الحياة البدوية وتعقيدات العلاقات الاجتماعية فيه وصرامة الاعراف والتقاليد التي كانت تظلل المجتمع الاردني حتى سنوات قريبة خلت.
ولم تكن"العطوة"الا جزءا لا يتجزأ من ثقافة قانونية للعشائر الاردنية تشكل في مفهومها البسيط هدنة يلتزم بها ذوي المتضرر بالمحافظة على الامن والنظام وعدم التعرض لذوي الجاني وبكفالة احد شيوخ العشائر المعتبرين الذي يطلق عليه اسم "كفيل الدفا" الذي تعينه الجاهة بطلب من ذوي الجاني.
وتؤخذ عطوة الاعتراف بعد ثلاثة أيام من وقوع الجرم او الحادثة وبدون شروط فيما يكون أهل الجاني في دخالة احد شيوخ العشائر خلال الايام الثلاث المذكورة الذي يتولى ترتيب الجلوة أذا كانت الحادث قتل وقديما كان يقول البدو"الدخالة بلوى والكفالة بالكيف"وحديثا أصبح يستعاض عن الدخالة بما يسمى "العطوة الأمنية".
النوع الاخر للعطوة هو"عطوة الحق"وتؤخذ في القضايا الخلافية التي لا يعترف فيها طرف باعتدائه على طرف آخر وتكون بمثابة الموافقة على التقاضي عند أحد قضاة العشائر لبيان الحقيقة أو أن ينتظر الطرفان قرار المحكمة المختصة في فصل القضية المثارة.
اما النوع الثالث من العطوة فهو"عطوة الاقبال"وتعني اقبال النفوس على الصلح واستعدادها لنضح الحقد والعداء والتفاوض على شروط الصلح العشائري ويتم في هذه الحالة السعي خلال مدة العطوة لانهاء القضية واتمام عملية الصلح بعد تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتخاصمين.
"قانون القضاء العشائري"والاعراف التي التزمت بها العشائر الاردنية على مر العقود والسنوات كانت ميثاق شرف يحمل المتعدي عليه وغير الملتزم به وصمة عار تتناقلها العشائر فيما بينها وكان من أكبر النقائص في حق الرجال القول بانه "لا يعطي حقا ولا يأخذه".
اسوق هذه المقدمة بعد أن شهدت ساحتنا الوطنية ما شهدت من أحداث مؤسفة خلال الفترة الماضية والتي شهدت دخول مفاهيم واعراف غريبة ومنتقدة على مجتمعنا الذي حافظ على تقاليده لفترات طويلة من الزمان فاصبحنا نسمع بما يسمى "عطوة تفتيش" "وعطوة شرف"وعطوة تحقيق" وهي انواع لا تمت لتقاليدنا الراسخة بصلة وغالبا ما يقوم عليها من لم يعرفوا التقاليد العشائرية الحقيقية.
ودخلت مع هذه العطوات الجديدة احكام وشروط ما كان لها ان توضع في ظل الالتزام الحقيقي بالاعراف الاردنية كشرط المطالبة بأعدام الجاني الذي يحمل تعديا صارخا على صلاحية القضاء ويشكك بنزاهته.
كما تعتبر المطالبة بالزام ذوي الجاني بعدم توكيل محام للدفاع عنه امام المحكمة تعديا صارخا على أبسط القوانين والاعراف الانسانية التي كفلت لكل أنسان الدفاع عن نفسه وتقديم مبررات فعلته ودرء التهم المنسوبة اليه.
ومن هذه الشروط الدخيلة على اعرافنا وتقاليدنا طلب اهل المجني عليه بعدم السماح لاهل الجاني باستغلال اراضيهم واغلاق مصالحهم التي يعتاشون منها كالمحلات التجارية او المعامل ولعل الشرط الاكثر خطورة في التقاليد المستحدثة يتمثل بالامتناع عن اعطاء العطوة الا بشرط عدم مسائلة او محاسبة من قاموا باعمال تخريبية عقب وقوع الحادثة كاحراق المنازل والمزارع والسيارات وهو ما يعطي رخصة للعابثين بامن الوطن والمعتدين على حقوق المواطن.
مما لا شك فيه ان التقدم الحضاري الذي شهده الاردن وتعزيز دور مؤسساته الوطنية الامنية والقضائية من شانه تجاوز الكثير من هذه التقاليد الغريبة والتي شوهت الاعراف التي وضعها الاباء والاجداد وباركتها القيادة الهاشمية المظفرة عبر العصور احتراما لدور العشائر وصونا لمكانتها واسهاما في تعزيز دورها الريادي في اشاعة الامن والطمأنينة وتكريس الاخلاق الحميدة. رحمه الله الشيخ صالح عسكر العقرباوي