لّما هَرَعَ رعاة بيت ساحور إلى مغارةِ طفل الميلاد كانت ثيابهم متسخة وربما رائحتهم كريهه نتنة إذ كانوا يعيشون في البراري وفي العراء، ومع كل ذلك أمام هيبة طفل الميلاد وقداسته سجدوا في زينة قلوبهم المقدسة.
هذا السجود يضع أمامنا اليوم التحدي الكبير كيف نسجد نحن اليوم لله؟ كثيرون يعنيهم ما للعيد من مظاهر ومباهج وزينة وتقليد مشاركتهم في قداس عيد الميلاد المجيد كعادةٍ سنوية تقليدية تَطفو فيها علامات الخشوع والتقوى، والحقيقة أنه رغم زينتهم الخارجية ومظهرهم المبهر إلا أن حقيقة الأمر أنَّ سجودهم وعبادتهم لله ليست مزينة بالزينة المقدسة، فتلك الزينة لا يبحث عنها كثيرون اليوم لأنها مكلفة أكثر من الزينة الخارجية وهي زينة القلب الذي تنقى وتتطهّر بكلمة الله التي تغلغلت في كل نبضة من نبضات قلبوبهم، ففاح قلبهم حباً وعطاء وخدمة ومسامحة ومصالحة.
هذا القلب المزين بهذه الزينة المقدسة هو القلب القادر أن يسجد لله في العيد السجود اللائق له، فطفل الميلاد يدعونا لأنْ نسجدَ له بقلوب مزينة بزينة القداسة والطهارة والنقاء والصفاء والحب، وإلا ما معنى عيد الميلاد، هل أن نتجمل ونتبّرج ونتظاهر ببرقيات المعايدة والتهاني ولم تتزين قلوبنا بزينة الميلاد الحقيقية؟
صحيح أن ظروفنا اليوم صعبة جداً ومدعاة للقلق، ولكنها ليست بأحسن حالٍ من ظروف ميلاد الطفل يسوع كلمة الله المتجسد لخلاص العالم، فقد ساد آنذاك الفقر والجهل والبطش والإستبداد والغطرسة والتجبّر، ومع كلِّ ذلك وُجد من يَسجد لله في زينة مقدسة من أنقياء القلوب الذين طوبهم المسيح. فبدون هذه الزينة ستبقى حياتنا تدور في حلقة مفرغة سعياً وراء سراب وعطش دائم لا يُروى.
فعيد الميلاد هو دعوةٌ لنا اليوم لنقف عراةً أمامَ أنفسنا ونفحص قلوبَنا وضمائِرنا وأنْ نَزينها بزينة النقاة والصفاء والحب والتسامح والمصالحة وإلا فسجودنا يكون انحناء وخضوعاً ليس لله بل لكبريائنا وشهواتنا وغرورنا.