في 21 آذار من كل عام نحتفل بذكرى معركة الكرامة ويوم الأم، يومٌ للوطن؛ لنكمل المسير بتحقيق استقرارٍ معيشي، وبدعوة أُم نستذكر في عيدها فضلها، وفضلُ الوطن على بناته وأبنائه..
ويطل يوم الأم فتتزين له متاجر الورود، وتنهال العروض والخصومات على هدايا الأمهات، وتعج صفحات التواصل الاجتماعي بالتهاني، ويعلو صوت التلفاز والمذياع بأغنية فايزة أحمد الشهيرة «ست الحبايب يا حبيبة».
وللأم في الشعر العربي الحديث مكانة متميزة تجسدت في شعر محمود درويش حيث قال :
خذيني، إذا عدت يوماً وشاحاً لهدبُك.. وغطي عظامي بعشب تعمد من طهر كعبك.. وشدي وثاقي بخصلة شعر بخيط يلوح في ذيل ثوبك.. ضعيني، إذا مارجعت وقوداً بتنور نارك.. وحبل غسيل على سطح دارك.. لأني فقدت الوقوف بدون صلاة نهارك هرمت، فردي نجوم الطفولة، حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع.. لعش انتظارك !
«الدستور» في يوم الأم التقت بسيدات ليروين لنا قصص كفاحهن رغم صعوبة الظروف التي واجهتهن؛
السيدة عُريب الكرنز لم تتوان عن بذل كل ما تستطيع لرعاية أبنائها الأيتام، تقول:» رغم صعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية فقد تعلمت التطريز والكروشيه لتحسين الدخل ورعاية أبنائي الأربعة خصوصاً في فترة المراهقة في ظل ما يتعرض له الشباب من مشاكل وصعوبات قد تواجههم، وما يترك من أضرار بعيدة المدى كالتدخين أو الخروج بلا عودة من المنزل» وتتابع:» أبنائي غير مجنسين، زوجي من غزة، وهذا بدوره فاقم من الصعوبات التي واجهتني وأبنائي في الحياة، حيث زاد عدم وجود جنسية الكثير من التحديات أمام مسؤوليات الحياة المرهقة»..
أما السيدة زينب القرم فهي أيضا ورغم المرض الذي ألزمها الفراش، قررت الوقوف على قدميها لحاجة أبنائها لها، تقول:» كنت مدركة لحجم المعاناة التي سيتعرض لها أبنائي في حال استسلمت، وبدأت بتعلم الكروشيه وأخذ دورات تدريبية متنوعة كما كرست كل جهدي لأبنائي»، إذ وَهَبت كامل حياتها لهم.
فغياب الزوج، فضلا عن أنه يصيب الأسرة بالتوتر، فهو يؤثر أيضا على الطلبات المفرطة للأبناء، ما يجعل الأم تواجه عدة مشكلات، أهمها تدبير ميزانية الأسرة، يليها رؤية أهل الزوج لها، وتعاملهم معها في غياب زوجها عن البيت.
وبينما ينتظر البعض يوم الأم، تنقبض قلوب آخرين لما تحييه المناسبة من ذكريات فقدت جمالها بفقدان الأم..
«الدستور» استطلعت أثر يوم الأم على نفوس من فقدوا أحبتهم، فتقول الثلاثينية هاله عمر :» بالرغم من أنني أصبحت أما لسلمى ونور إلا أنه في هذا اليوم يتملكني شعور بالغصة والحزن؛ لأن الفراغ الذي يتركه فقدان الأم لا يمكن ملؤه، قد نفقد أشياء غالية على قلوبنا لكن لا شيء يعادل فقدان الأم من الحياة»..
العشرينية نهاد يوسف تقول :» الأم هي أول الأوطان وآخر المنافي، وحينما نفقدها فنحن نخسر الاطمئنان، والشعور بالأمن والأمان، يتملكنا الفراغ، حينها فقط ندرك المسؤولية التي تقع على عاتقنا تجاه أنفسنا ومن نحب».
التي تقع على عاتقنا تجاه أنفسنا ومن نحب».
زواج الأب بعد وفاة الأم.. «نار» تأكل الأبناء.
الخمسيني محمد أبو الحاج، أب لخمس بنات يقول:» حالة فقدان الزوجة والأم ليس بالسهل استيعابه وهو فراغ لا يمكن سده، خاصة في حال وجود خمسة أبناء دون 18 عاما، فحاجة الأطفال للأم لا يمكن تعويضها، فالأم تلم العائلة، ولا يعوّض غيابها وجود زوجة أب، فالأفكار السلبية التي التصقت بزوجة الأب إما ان تكون «وهمية أو من تجارب شخصية سابقة»، وتابع :» بالإضافة إلى الدور الكبير للإعلام من خلال عرض زوجة الأب على أنها «امرأة قاسية ومتسلطة»، من خلال المسلسلات والافلام، والتي لها كبير الأثر في عقول الأفراد وترسيخ الأفكار لديهم».
العشرينية راما كنعان تقول :»موت الأم كسرة لا يشعر بها إلا من عاناها، في ذاكرتي صورتها ونبرة صوتها المطمئنة، وفي قلبي ألم الفقد، ولا يوجد كلام يصف وجع رحيلها، ففراقها يخلق بداخلي حزنا وألما شديدا، وبعد موت الأم ستعرف جيداً معنى دعاء «جبر الله كسر قلبك»، ستعلم جيداً أن لا فراق يكسر حنايا القلب إلا فقدان الأم».
الثلاثيني فارس قاسم يقول:»غياب الأم يعني غياب الأمان والصدق، فهي عونك في الدنيا، وسبب لنجاحك، ووسيلة لدخولك الجنة، قد تسقط الحياة من عين الانسان وهو على قيد الحياة لفقدان الأم، فهو وجع لا ينتهى ولا يجبر ولا يعوض مكانه أحد وينقص من الروح ومن العافية».
الموت حق؛ ولكن.
فالأم ملاذ الشعراء في أحزانهم، يناديها الشاعر العراقي عبد الناصر النادي:
وأمام ما نواجه من صدمات متجددة في الحياة، يكون موت الأم هو الأشد وقعاً والأصعب استيعاباً، فالأم الوطن الأول والحبيبة الأولى والأخيرة، والجنة عند قدميها، والدواء والطبيب والسؤال والمجيب، سمّاها التاريخ بالعديد من الأسماء، كلها تصغر عند لفظة «الأم» التي تفسرها الأعصاب وتحكيها خلايا الجسد ومجرى الدماء.
أما نزار قباني، فكتب عن الأم قصائد عديدة، من بينها:
«عرفت عواطف الإسمنت والخشب، عرفت حضارة التعب، وطفت الهند طفت السند طفت العالم الأصفر، ولم أعثر على امرأة تمشط شعري الأشقر، وتحمل في حقيبتها، إلي عرائس السكر، وتكسوني إذا أعرى، وتنشلني إذا أعثر، أيا أمي»