ونحن بين يدي الاحتفال بالذكرى السنوية لاستقلال وطننا الأردني ، لابد لنا من تذكر مقومات اعتزازنا الوطني،وهي مقومات تعطي لاستقلال دولتنا عمقا تاريخيا ، يؤكد أنها ليست شيئا طارئا،بل أننا أبناء هذه المنطقة ،واصحاب ارضها،زال كل الغزاة والمستعمرين، وبقينا نحن.
في طليعة هذه المقومات الآثار المنتشرة في بلادنا،والتي تؤكد عراقة هذا الشعب من جهة،وحتمية زوال المحتل والمستعمر،وفي الحالتين فإن هذه الآثار يجب أن نحافظ عليها وأن نوظفها لبناء اعتزازنا الوطني.
في مقدمة الآثار التي ينطبق عليها ماقلته أعلاه جرش أو أنطاكية على نهر الذهب التي هي فوق أهميتها الوطنية، فإنها أحد الكنوز الأثرية العالمية ,وهي من المدينة الأثرية القليلة في العالم التي مازالت تحتفظ بالكثير من آثارها كمدينة متكاملةلذلك كله ولغيره، لايجب ان تمر الواقعة التي شاهدتها هذه المدينة مرور الكرامْ،عندما أقدم أحدهم على تلويث وتشويه عدد من الأعمدة الأثرية لهذه المدينة التاريخية ،،فلابد أولا من قراءة دلالات هذا التصرف المشين .
وفي الدلالات فإن أول سؤال يطرح نفسه هو :أين كانت الشرطة السياحية؟ فمن المؤكد أنه لو كانت الشرطة السياحية موجودة في مكان الحادث أو قريبة منه، لما استطاع الجاني أن يقدم على فعلته النكراء، وكل أملنا أن لا يكون الداء الأردني المزمن قد تسلل إليها، فقد صار مفهوم الحراسة في قاموس الكثيرين هو النوم في المنزل وتقاضي الأجر دون أداء العمل، لذلك صار مسمى الحراسة ستارا للبطالة المقنعة.
الدلالة الثانية لواقعة جرش هي غياب حس الانتماء الوطني والقومي عند من أقدم على هذه الفعلة النكراء ،وهذا الغياب ليس حالة فردية للأسف الشديد،فقد صرنا نخرج أجيالا لا تعرف شيئا عن وطنها، ولا عن التاريخ القريب ولا التاريخ البعيد لهذا الوطن، وبالتالي ليس مستغربا أن يقدم أحدهم على تشويه معالم هذا التاريخ وشواهده كما حدث في مدينة جرش الأثرية، وكما نشهد في الكثير من مواقعنا الأثرية والتاريخية، الأمر الذي يفرض على الحكومة تنظيم برامج وطنية دائمة ومتجددة للتعريف بمواقعنا الأثرية والتاريخية على تنوعها، دينيا وتاريخيا وحضاريا ،وهي برامج يجب أن تشارك في وضعها وتنفيذها جهات عديدة منها وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، و وزارة الثقافة ،وأجهزة الإعلام،وفي مقدمة هؤلاء جميعا وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي،ويجب أن توازي هذه البرامج بين البعدين النظري والعملي الميداني،مع التأكيد على الحفاظ على معالم الأردن الأثرية أبعاد كثيرة أهمها أننا شعب ضارب الجذور في أرضه،وأننا شركاء في مسيرة التدافع الحضاري من جهة،وأن هذه الآثار والمعالم التاريخية تشكل مصدر دخل كبير أن نحن أتقنا مهنة السياحة,وعرفنا كيف نسوق بلدنا.
ومع تعظيم روح الانتماء والولاء للوطن،فانه لابد أيضا من تعظيم كوادر الحراسة الفعلية والدائمة لمواقعنا التاريخية والاثرية على تنوعها ليس لحمايتها من التشوية فقط،بل لحمايتها مما هو أخطر كالسرقة والتهريب.
ماسبق هو جزء من منظومة تعزز مضامين استقلالنا الذي نحتفل بذكراه هذه الايامط