اثار غياب المرجعية الفكرية قرار رفع الفائدة نموذجاً
بلال حسن التل
عندما يفقد المجتمع مرجعيته الفكرية ،يفقد معها اشياء كثيرة ،اهمها مقاييس الخطاء والصواب،وتسود الفوضى الفكرية فيختلط الحابل بالنابل، وفي هذا المجال يصلح
الجدل واللغظ اللذان أثارهما قرار البنك المركزي, برفع سعر الفائدة بواقع نصف نقطة, يصلحان نموذجاً لحالة الفوضى الفكرية التي يعيشها مجتمعنا, والتي بسببها يختلط الحابل, والغث بالسمين, بسبب غياب مرجعيته الفكرية، فقد تراوحت الأراء والتحليلات والتوقعات حول آثار هذا القرار من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, فهناك من أفرط بتضخيم حجم هذا القرار على المدنيين والمقترضين, وهناك من نفى أن يكون للقرار أي تأثير على المتعاملين مع البنوك بأعتباره قراراً تأشيرياً وإجراءاً أحترازياً من البنك المركزي, وبين شطط هؤلاء وتحفظ أولئك سادت عقلية القطيع ولم يعد معظم الناس يعرفون أين الحقيقة, خاصة وأن وسائل الإعلام قدمت أصحاب الرأيين المتناقضين على أنهما خبراء اقتصاديين, وهذه واحدة تثير قضية أخطر بدأت تنتشر في بلادنا أعني بها سهولة إطلاق هذه التوصيات والألقاب على الناس بدون جدارة أو مؤهل يبرر إطلاق هذه الألقاب على زيد أو عمر, فهذا خبير استراتيجي, رغم أنه لا يعرف ماذا تعني كلمةالاستراتيجية, وذلك محلل سياسي مع أن مؤنتة من الثقافة السياسية تكاد تكون معدومة, وثالث يقدم لنا على أنه خبير تربوي ورابع خبير زراعي...الخ مما أفقد الكثير من وسائل الإعلام مصداقيتها بسبب غياب مهنية العاملين فيها وضحالة ثقافتهم, وعدم إدراكهم لحجم المسؤولية الملقاة عليهم باعتبارهم صناع رأي عام, مما جعلهم يستسهلون إطلاق الألقاب الكبيرة, دون تمحيص أو تميز ودون دراسة للموضوعات التي يناقشونها, وأزعم أن الكثيرين من المحسوبين على الإعلام يتصلون بالناس بل ويدخلون الاستديوهات وهم لا يعلمون ماهية أبعاد المواضيع التي سيناقشونها, فالهدف عندهم ليس تقديم مادة مفيدة بل لتعبئة ساعات البث, التي صارت في ظل ساعات البث المفتوحة كالنار تقول هل من مزيد, وهي حالة ساهمت في نشر السطحية وعبدت الطرق أمام ثقافة التفاهة, وجعلت الظهور على وسائل الإعلام متاحاً لكل من هب ودب, لذلك كان الحصاد هشيماً, وهذا سبب رئيس من أسباب هروب المشاهد والمستمع والقارىء العربي إلى وسائل إعلام الأخرين, بما فيها وسائل إعلام العدو الإسرائيلي, وهذا مدخل جديد من مداخل الإحتلال والاستلاب السياسي والثقافي والاجتماعي, الذي يساهم في تغذيته ضحالة من يقدمون في إعلامنا العربي على أنهم خبراء ومحللون, لذلك كله لا غرابة في هذا التناقض بين "الخبراء" حول آثار قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة, فهذا التناقض مجرد نموذج لحالة الفوضى والتخبط الفكري والثقافي الذي نعيشه والمخفي أعظم.