قلت في المقال السابق ان من اسباب اخفاقنا في تحديد اولوياتنا الوطنية اننا في المراحل السابقة لم تبذل جهدا كافيا لتحديد الأولويات التي يريدها الناس من خلال الحوار معهم، لا من خلال الفرض عليهم، وهذه من اهم النتائج التي توصلت اليها جماعة عمان لحوارات المستقبل من حواراتها مع الخبراء وأصحاب التجربة ومختلف الشرائح الاجتماعية ،وهذا سبب اساسي من اسباب تعثرنا حتى الان في تحديد اولوياتنا الوطنية في مختلف المجالات، وسر التبدل الدائم لهذه الاولويات.
ان من الاسباب الرئيسية لتبدل اولوياتناالوطنية،يكمن في التبدل السريع للحكومات في بلادنا، وهو خلل اشار اليه كل الذين حاورتهم وشاورتهم جماعة عمان في اطار محاولاتها لتلمس سبل مشاركتها في تحديد اولوياتنا الوطنية ثم سبل مشاركة الجماعة في العمل على تحقيقها، من خلال صياغة هذه الاولويات في اطار استراتيجية وطنية عابرة للحكومات، محمية بارادة شعبية، لتشكيل رقابة على الأداء بهدف تحقيق الأولويات الوطنية وحمايتها، وهو دور تسعى جماعة عمان لحوارات المستقبل الى المساهمة به، من خلال دورها في الرقابة الشعبية والمتابعة، وفق تصور استراتيجي عابر للحكومات، يعتمد اسلوب الحوار المنتج.
عند الحوار نحب ان نتوقف لنقول: إننا خلال السنوات الماضية سمعنا الكثير الكثير عن الحوارات في مختلف المجالات، وحول مختلف القضايا، لكن جل هذه الحوارات كانت لا تكمل مشوارها في معظم الأحيان، او انها لا تتابع تنفيذ ما وصلت اليه من نتائج صار مصيرها في أغلب الأحيان الحفظ في الملفات المحفوظة على الرفوف او في الأدراج، مما يعني اننا بحاجة الى نوع جديد من الحوار الذي يتصف اولا بالجدية وبالصبر الذي يقود الحوار الى نتائجة المرجوة، ثم بعد ذلك وأهم من ذلك المتابعة لتنفيذ هذه النتائج وحتى يتم ذلك فلا بد من ان نسعى الى تنمية روح الفريق والعمل الجماعي في مجتمعنا لتصير روح الفريق والعمل الجماعي سمة من سمات مجتمعنا، وهو الامر الذي لن يتم الا اذا تمكنا من تجسير العلاقة بين مختلف قطاعات و شرائح مجتمعنا، بهدف الوصول الى روح وطنية عامه تبني رؤية مجتمعية مشتركة لأولوياتنا الوطنية التي تكون محل توافق الاغلبية في مجتمعنا.
ان جماعة عمان لحوارات المستقبل وهي تجري مشاوراتها وحواراتها الهادفة الى المساهمة في تحديد اولوياتنا الوطنية، تسعى من خلال هذه الحوارات والاستشارات الى ترسيخ مفاهيم اساسية في مجال العمل العامـ أهمها: دور المواطن في حماية وطنه ونشر روح الامل والتفائل ، وترسيخ مفهوم التفكيري الجماعي في اطار التنوع والتعدد الذي تجمعه القواسم المشتركة والتعاون على ما نتفق عليه بعيدا عن الشللية، وكذلك ترسيخ مفهوم المشاركة المبنى على الحرية، كشرط اساسي لبناء المجتمع التعددي الديمقراطي الذي نسعى اليه والذي يحدد اولوياته بحرية مطلقة، بناء على حاجاته الاساسية التي يحددها هو، والتي لا تفرض عليه فرضا، وهذا هو اساس وسبيل نجاح اية خطة للنهوض بالمجتمع، الذي هو هدف نسعى جميعا الى تحقيقه.