حينما اغتالوا غدراً وجريمة الشهداء إبراهيم النابلسي وتامر الكيلاني وعدي التميمي والعشرات من أمثالهم وبسالتهم واستعدادهم العالي للتضحية، لم ينالوا من هذه الذوات رفيعة المستوى نضالاً وتضحية وأفعالاً فقط، حيث لم يقتصر هدف المستعمرة وأجهزتها وجيشها وأدواتها، على عملية القتل والتصفية الجسدية لهؤلاء واقرانهم، بل خططوا ونفذوا مستهدفين معنويات الشعب الفلسطيني، ولكل من راهن على بسالة هؤلاء الشباب ودورهم في صناعة المستقبل الفلسطيني.
أهداف القتل والتصفية تستهدف حماية المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي من التراجع والهزيمة، و الخشية من انتشار الخيار الكفاحي لهؤلاء البواسل الشابة، وتحولهم إلى ظاهرة شعبية لا تتوقف عند عرين الأسود وكتيبتي نابلس وجنين لتكون كتائب لرام الله وطولكرم والخليل، ولكل مدينة وقرية وحارة فلسطينية كتيبتها وأفعالها ضد الاحتلال، وهذا ما يُفسر قوة الاندفاع الإسرائيلي وشراسته، مستغلين وموظفين تفوقهم في الانقضاض بالقذائف وكثافة النيران وتدمير كل من يقف في مواجهتهم، غير مراعين لأي تعارضات مدنية أمامهم، المهم الوصول إلى هدفهم في الإبادة والتخريب وإزالة معطيات الرفض الفلسطيني والمقاومة.
لقد نجحت المستعمرة في احتلال كامل خارطة فلسطين، ولكنها فشلت في طرد كل الشعب الفلسطيني وتشريده عن أرض وطنه، وتدلل المعطيات الإحصائية أن نصف الشعب الفلسطيني باقٍ، صامد على كامل أرضه، ونصفه الآخر مشرد خارج فلسطين، لكل منهما برنامجه ودوره، وتكامل طرفي المعادلة الفلسطينية، في مسار النضال ومسيرته نحو الحرية والاستقلال للجزء الصامد الباقي، ونحو كسب الأشقاء والأصدقاء من العرب والمسلمين والمسيحيين للنصف المشرد ، يعمل من أجل اقرار حق العودة لأراضيهم ومدنهم وقراهم وبيوتهم التي تشردوا عنها، والعمل على استعادتها من الاجانب المستعمرين الذين وضعوا تسلطهم وإقامتهم فيها وعليها.
سخونة المواجهة وحدة التصادم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعاظم التضحيات من قبل شعب الجبارين، يعود إلى حجم التناقض بين المشروعين: المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
وقوة المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين واستمراريتها تعود إلى قوة النيران والحقد والعنصرية الإسرائيلية في مواجهة قوة الإرادة الفلسطينية وتطلعاتها نحو الكرامة والحرية، وانعكاس ذلك على يوميات وتفاصيل المعركة المحتدمة في نابلس وجنين وامتداداتها لباقي المواقع والأحياء على امتداد فلسطين بوتائر مختلفة.
طرفا السلطة الفلسطينية: سلطة رام الله أسيرة لاتفاقات التنسيق الأمني مع تل أبيب، وسلطة غزة أسيرة لاتفاقات التهدئة الأمنية مع تل أبيب، وهذا ما يُفسر غياب أفعال الطرفين، باستثناء الحكي وما أكثره، وبيانات الشجب وحدته، والاستنكار المربع وتعدديته.
دققوا بالاستفراد الإسرائيلي، استفردوا بالجهاد الإسلامي في شهر آب في غزة واغتالوا أبرز قياداتها، واستفردوا بمخيم جنين أولاً، وها هي نابلس ثانياً مستهدفين عرين الأسود وكتائب جنين وكتائب نابلس، تاركين سلطتي رام الله وغزة تستأثر بما لديهما من سلطة منفردة تستمد استمرارها في رام الله وغزة بموافقة الاحتلال ورضاه، وهنا تكمن المشكلة والضعف والصمت غير الخجول.