هو طبيب الأرياف والبوادي ، خرجَ من رَحِمِ المعاناةِ ، من أودية الشيحِ والقيصوم ، من لهيب البيداء ، من براثن الشقاء ، شربَ من غديرِ الطير ، وارتوى من حفائرِ الباديةِ ، نشأَ وترعَرعَ في بيئةٍ مجافيةٍ للحياةِ ، حاولَ أن يُشَكِّلَ مع الدكتور متروك العون ، والدكتور خلف الجادر ، مثلثاً طبّياً متساوي الأضلاعِ ، القاعدةُ العريضةُ ترتكزُ على الأريافِ والبوادي ، بينما ضلعيّ المثلثِ يحتضنانِ الوطنَ من الكرامةِ إلى الكرامة ، إقراراً لحقوقِ الفقراءِ في الرعايةِ الصحّيةِ ، وحفاظاً على الكرامة البشرية ، ولمواجهة عالمٍ ماديٍّ قاسٍ .
وصلَ الفقيدُ إلى خريفِ من العمر ، حيثُ تتكالبُ الأوجاعُ ، وتجفُّ الأوراقُ ، وتتساقطُ الثمار ، يقتحمُ الموتُ الأبوابَ ، يتجاوزُ الأعتابَ ، يسلبُ الشبابَ ، يخطف الأصحابَ ، يختارُ النجومَ اللامعةَ ، والطبيب فلاح كانَ كنجمِ "سهيل" ، أكثرُ النجوم دلالةً نحو المدينةِ الطبّيّة ، يستقبل المرضى ، يبسطُ لهم الوجه ، يُلينُ لهمُ الجانب ، يُعالجُ عظاماً أعياها الدّهرُ ، وأكلَ لحمها القرُّ ، وأذابَ شحمها الحرُّ ، كان عليهِ أن يُصلِحَ ما أفسدَ الدَّهرُ ، ويُعيدُ البناءَ لعظامٍ تجاوَزَت فترةَ الصَّلاحِيَّةِ .
قبلَ الرحيلِ ، أخذَ من الدنيا مقدارَ ما يأخذَ الطعامَ من الملحِ ، لكنّهُ تركَ أثراً لا يزولُ ، إنجازاتٌ لا تُنسى ، وتاريخٌ لا يُمحى ، لم يختبئ خلفَ الأبوابَ المغلقةِ ، ولم يتنكَّر للأهلِ والعشيرةِ ، لم يضع نفسهُ في هالةٍ زائفةٍ ، ولم يتعالى على خلقِ اللهِ ، هذا ؛ أدخلهُ في دائرة الأفاعي الناعمة ، لكنّ اسمهُ كُتِبَ معَ الأحياءِ في باطنِ الأرضِ ، بينما الأموات فوق الثرى أزعجونا ، حظيَ المرحوم دوماً بنظرةِ إعجابٍ وتميُّز ، وكأنّي به عندما اقتربت ساعةَ الفراق ، تمثَّلَ قولَ الشاعرِ :