في الذكرى الثالثة بعد المائة لإنعقاد مؤتمر (قـَـمْ) الذي تجسَّدت فيه وحدة النضال الأردني الفلسطيني.تعود بنا الذاكرة إلى عام 1920 ونحن في مقام الدهشة نتحدث عن تلك الأيام والزمن يشير إلى عام 2023 حيث الفاصل الزمني بين ما كان وبين الواقع الذي نعيشه الآن هو 103 أعوام وقد تغيرت فيه أشياء كثيرة دول وزعامات وقيم ومبادىء،.كما عصفت بالمنطقة أحداث كثيرة.غير أن هذه العودة الآن إلى تلك المرحلة تأتي لتصفح وهج مواقف الرجال الوطنية والقومية حيث كانت المواجهة وكان التحدي كما هو الحال هذه الأيام غير أنهم في تلك الفترة من الزمان استطاعوا أن يحسموا قراراتهم دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وشرف الأمة التي ينتمون إليها.
في عام 1920 كثر بيع الأراضي لليهود والهجرة اليهودية لفلسطين فتنبه لهذا الأمر زعامات لواء عجلون.فقرروا السفر في 8 آذار 1920 إلى دمشق لمقابلة جلالة الملك فيصل بن الحسين وتهنئة جلالته بمناسبة مبايعته وتتويجه ملكاً على سوريا،وحدثوا جلالته عما يجري على أرض فلسطين من أمور خطيرة تُنذر بسيطرة مطلقة لليهود على فلسطين،منها هجرة اليهود وبيع الأراضي فـي كثير مـن مناطق فـلسطين فـقال لـهم جـلالة الملك فـيصل:
" شرقي الأردن وفلسطين أمانة في أعناقكم يا مشايخ لواء عجلون"
وفي طريق عودتهم من دمشق وهم يحملون الأمانة على أعناقهم قرروا عقد لقاء تحضيري في بلدة سما الروسان في ديوان الشيخ سليمان باشا السودي الروسان لتدارس الوضع فأجمعوا على عقد مؤتمر في بلدة (قـَـمْ) بضيافة الشيخ ناجي باشا العزام بتاريخ 6 نيسان 1920
وقد إفتتح الشيخ ناجي باشا العزام المؤتمر بكلمة قال فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم الواحد الأحد والمنتصر لأمة قاتلت من أجل استقلالها فكل التهنئة بإعلان إستقلال بلادنا الشامية لصاحب الجلالة الملك فيصل بن الحسين والى شعبنا في كل مناطقه السورية.إن الهدف يا مشايخ لواء عجلون من هذا الإجتماع هو الخروج بقرارات تتضمن الرد السريع على الأعداء الكفار وقد اتفقنا في سما الروسان على أن يكون الرد بمهاجمة المستوطنات اليهودية في سمخ وبيسان وطبريا والهمة في عشائرنا ورجالنا والله معنا وسيشرح لكم الشيخ كايد خطة الهجوم التي ستكون في 20 نيسان"
إذن فقد كان هذا المؤتمر محصلة طبيعية للدعوة التي وجهها الشيخ ناجي باشا العزام لزعماء ومشايخ لواء عجلون للإجتماع في ديوانه في قرية (قـَـمْ) التي تبعد إلى الغرب من مدينة إربد بمسافة 15 كيلو .حيث عرف هذا الإجتماع فيما بعد بمؤتمر(قـَـمْ) وقد جاء هذا المؤتمر رداً على عدم إيفاء الإنجليز بوعودهم بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومنع بيع الأراضي لليهود.
وفي هذا المؤتمر ترجمة عملية لقناعة الشرق أردنيين بأن الخطر الصهيوني يستهدف شرقي الأردن كما يستهدف فلسطين، فتجاوب رجالات العشائر الأردنية مع دعوة الشيخ ناجي باشا العزَّام شيخ وزعيم ناحية الوسطية (آنذاك) في شمال الأردن وعقدوا في بلدة (قـَـمْ) بتاريخ 6/4/1920م مؤتمراً وطنياً شارك فيه العديد من مناضلي الحركة الوطنية الفلسطينية إلى جانب شيوخ وزعامات العشائر الأردنية في تجسيد عملي للوحدة الوطنية الأردنية الفلسطينية،وقد تمخَّض مؤتمر (قـَـمْ) عن عدة قرارات كشفت عن النضج والوعي السياسي والوطني الذي كان يتمتع به أجدادنا وآباؤنا، ومن تلك القرارات:
1-مناصرة ثورة الشعب الفلسطيني ودعمها بالمال والسلاح.
2-إعلان الثورة ضد الإنجليز في شرقي الأردن.
3-تفويض المجاهد اللواء علي خلقي الشرايري لإعلان الثورة بالتنسيق مع الجمعية الفدائية الفلسطينية.
4-تشكيل لجنة لجمع الأموال وشراء السلاح.
وكما كان متوقعاً فقد أثار انعقاد مؤتمر (قـَـمْ) بمشاركة مناضلين فلسطينيين،غضب الإنجليز واليهود، فسارع الإنجليز بتحريض من اليهود إلى إعتقال عدد من شيوخ الأغوار وفي مقدمتهم الأمير محمد الزيناتي ونقلوهم إلى سجن بيسان،فشنَّ رجالات العشائر هجوماً على السجن قاده الشيخ بشير الغزاوي وحرَّروا الأمير الزيناتي ورفاقه.وكان من الطبيعي أن يُثير نجاح العشائر الأردنية بتحرير المعتقلين مزيداً من غضب الإنجليز فشنوا عليهم هجوماً شاركت فيه الطائرات،وتمكن المناضلون من الانسحاب إلى جبال عجلون، حيث انضمَّ إليهم المزيد من المناضلين.
وكان أيضاً من القرارات السرية لمؤتمر (قـَـمْ) تحديد موعد شن الهجوم على قوات الإنتداب البريطاني والعصابات الصهيونية في 20-نيسان-1920 وسميت تلك المعركة بمعركة "تل الثعالب" التي قادها الشيخ كايد المفلح العبيدات عن الجانب الأردني والجنرال كركرايد عن الجانب البريطاني والمستوطن اليهودي رئيس المستوطنات اليهودية في الشمال الفلسطيني يوسف أبو إرميشه عن الجانب اليهودي.
وكان رجالات الأردن على دراية تامة بأن قوات الإنتداب البريطانية ستعمل على إفشال المؤتمر قبل إنعقاده إن تسربت لها المعلومات ووصلت إليها الأخبار...لذلك فقد تم الإتفاق على إذاعة خبر بين الناس بأن الشيخ ناجي باشا العزام سيقيم في ديوانه بقرية (قـَـمْ) وليمة لمشايخ لواء عجلون إحتفالاً بتتويج الملك فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا وبهذا فقد إنطلت الحيلة على قوات الإنتداب البريطاني وتم عُقد المؤتمر بموعده ومكانه وزمانه بحضور كافة المدعويين وإستمر لمدة 20 دقيقة فقط قرر فيه المؤتمرون إعلان الحرب على القوات البريطانية والعصابات الصهيونية في فلسطين.
وحول تفصيلات الهجوم يشار إلى انه في مؤتمر (قـَـمْ) عمل المجتمعون هناك على حشد جموع من قرى نواحي الشمال: (الوسطية،السرو،الكفارات،الكورة،بني عبيد،بني جهمه،والرمثا) وقرروا فيه الهجوم على الإنجليز فذهبت مجموعة منهم بإتجاه سمخ مجتازة نهر الأردن ومجموعة أخرى بإتجاه بيسان مجتازة نهر الأردن،فذعر اليهود وتركوا المنطقة.
ونتيجة لتعطل سير القطارات بين حيفا ودمشق وإنقطعت الإتصالات الهاتفية فقد سارعت السلطات البريطانية بإرسال الطائرات الحربية فقصفت المهاجمين بالقنابل مما إضطرهم للتراجع بعد أن فقدوا عشر شهداء هم: كايد المفلح عبيدات وسلطان عبيدات وقفطان عبيدات ومحمد الحجات وسعيد القرعان وزطام العلاونة وثلاثة من مجاهدي درعا.في حين إستطاع المهاجمون إسقاط طائرة بريطانية
وقد شارك في المؤتمر عدد من وجهاء فلسطين (يوسف الحايك، عبد الله الفاهوم،نايف الزعبي ومحمود شتيوي المغربي. (
وبهذه المناسبة الوطنية/القومية وفي الذكرى الثالثة بعد المائة لإنعقاد مؤتمر(قـَـمْ) الوطني القومي التاريخي التي صادفت يوم الخميس 06-نيسان-2023 مع الهجمة الشرسة التي تشنها قوات الإحتلال الصهيوني على أهلنا المرابطين في القدس الشريف وتهديدهم المستمر بهدم قبة الصخرة المشرفة لإقامة هيكلهم المزعوم يخاطب الأبناء والأحفاد الآباء والأجداد طيب الله ثراهم بهذه الكلمات:
لقد رحلتم عن هذه الدنيا وفارقتم الأهل والعشيرة والأحبة.ضحيتم بأرواحكم وقدمتم كل غالٍ ونفيس من أجل حريتنا وكرامة أمتنا...لقد صنعتم تاريخاً خالداً وسطرتم بطولات لا تُنسى...وتركتم لنا وللأجيال إرثاً تاريخياً كبيراً وصيتاً ذائعاً ومواقف رجولية مشرفة ستبقى خالدة للأبد.
لقد حملتم رسالتكم بكل أمانةٍ وإخلاص.وأورثتموها بكل ثقة لرجال من أصلابكم.
ما توانيتم يوماً عن تلبية نداء الواجب...زرعتم فينا حب الوطن...وأنشأتم أبنائكم وأحفادكم على الوفاء والإخلاص للوطن والأمة ولأولي الأمر...فكنا كما أردتمونا أن نكون...لا نتأخر عن أداء واجب...ولا نؤخر نصرة أهلنا ووطننا وأمتنا...لا نهادن خائن...ولا نجامل متآمر...في الطليعة مكاننا عند المحن...ندفع ثمن إنتماؤنا وولاؤنا الفطري من مستقبلنا وأرواحنا ودمائنا.
في الرخاء نُنسى كما نُسيتم...ونُغَيَب عندَ الثناء كما غُيبتم...فتظِل كلمات الشكر وجهتها وتتوه عن مسارها الحقيقي...ليقطف غيرنا ثمار تضحياتنا ...ويفوز بالمناصب والأعطيات غير أصحابها وأهلها...ومع هذا وذاك سنبقى أحفادكم على العهد والوعد...وسنبقى على مواقفكم ثابتين...ولرسالتكم الخالدة حاملين...نتوارثها بيننا جيل بعد جيل...ولأننا من نسلكم...أبناءً لهذا الوطن...وجنوداً صناديد نقف خلف قيادتنا...لن يُغيرنا منصب أو جاه...ولن يُثنينا مطمعٍ أو مكسب...ولن ننجر وراء مُفتن...ولن نستمع لمغرضٍ ومتواطىء...لأن الإنتماء والولاء عقيدتنا.
كما كنتم كنا وسنكون...وكما عِشتم بكبرياء وشموخ سنحيى ونعيش... وسنبقى نذكركم ما دمنا نقدر على الكلام...وسنبقى نُحيي ذكراكم في كل مناسبة وحدث ما دمنا أحياء...فهنيئاً لوطننا وأمتنا وقيادتنا بكم...وهنيئاً لنا بكم...أحفادكم يرفعون رؤوسهم عالية بكل إعتزاز وإفتخار...بجميل صنيعكم ...وحُسن تدبيركم...وعظيم تضحياتكم في سبيل عزة وطننا وكرامة أمتنا.
ودعواتنا لله عز وجل في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الفضيل لكم أيها الزعماء الوطنيين المناضلين المجاهدين العِظام...شيوخ وزعامات لواء عجلون والأردن وفلسطين...أن يرحمكم ويغفر لكم ويحشركم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
المراجع:
*ابحاث:الدكتور ممدوح الروسان،الدكتور محمد العناقره