يكتسب الحديث عن الاخلاق اهمية خاصة في عالم مضطرب تلوثت فيه القيم خاصة وان الاخلاق هي حضارتنا وماضينا، حاضرنا ومستقبلنا، فكلما ارتقت اخلاقنا ارتقت حضارتنا .
ان، انتشار الحضارت وتطورها شكلته منظومة اخلاق الشعوب التي عكست هويتها وارادتها واحترامها لقيم الانسان وكرامته اما بدايات رسالة الاسلام الخالدة فهي سبرة اخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي عرفه العرب بأخلاقه وأمانته، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: فإني نذير لكم...........
ان روعة الأخلاق التي أرشد إليها ألإسلام تظهر فيما اشتملت عليه في التوفيق بين المطالب المختلفة للفرد من جهة، والجماعة من جهة أخرى، وفيما تحققه من السعادة في ظروف الحياة الدنيا، بقدر ما تسمح به سنن الكون التي تشمل جميع البشر، مؤمنين بالله أو كافرين، أخلصوا له النية أو لم يخلصوا) .
اننا اليوم امام واقع صعب ومصير مجهول بعد ان ابتعد العالم عن فضاء الاخلاق وسار خلف مصالح ضيقة، فاختلطت قيم الفضيلة وكرامة الناس بتراكمات رغبات ونزوات صنعت العقبات التي جففت منابع الرحمة بين الشعوب، فأصبحت مصالح الشعوب ونزوات النفوس تحرك سلوك البشر فحولت التعاون الذي هو قاعدة قيام الحضارت الى صراعات وازمات ،فاختفت الاخلاق خلف تراكمات الظلم والكراهية التي قطَعت الارحام ،وشتَت الموارد، وأشعلت نيران الفتن، فتسابق الناس الى تأمين حاجاتهم دون رادع من ضمير أو خلق أو دين.
ان أبعاد العبادات في الاسلام تقود الى الأخلاق، فهي ليست طقوسا مبهمة ،ولاحركات غامضة، ولاتمارين مكررة، بل هي اخلاق وسلوك، فأعظم وصف وصفه الله تعالى لرسولنا الكريم هو خلقه العظيم ،فكانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتبعدنا عن الرذائل وسوء القول والعمل ، وقد جاء في حديث يرويه النبي الكريم عن ربه " انما اتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ، ولم يستطل على خلقي ،ولم يبت مصرا على معصيتي، وقطع النهارفي ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب"
اما الزكاة فهي غرس مشاعر المحبة والتكافل ،وهي ليست ضريبة بل توطيدأ لعلاقات المحبة والتعارف بين الفقير والغني ،لانها تزكي النفوس وتطهرها، وهي تتسامى بالمجتمع، ، ،وهكذا فالصدقة هي دماء الحياة ونسغها ،فهي ليست مالا وحاجة بل هي قيم وغراس محبة
، في الاخلاق تنسكب الروح وتسري لتروي شجر الحياة فهي كما وصفها رسول الاخلاق "تبسمك في وجه اخيك صدقة ،وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ،وإرشادك الرجل أرض الضلال صدقة ، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة ،وإفراغك دلوك في دلو اخيك لك صدقة،وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة.
" اما الحكمة من الصوم فلعل اعظمها التقوى والصلاح وهو مشاركة روحية وجدانية ينصهر فيها الفقير والغني.. العزيز والفقير.. القوي والضعيف ليتوحدوا في حاجتهم الى الله حيث يجهدون في تلبية حاجات الفقراء بعد ان ذاقوا حرارة العطش والجوع وهو ارتقاء روحي عظيم يحلق فوق المادة ويعبر الى الفضيلة بطهر ونقاء
، اما خير مايتزود به المرء في رحلته الى الحج فهو التقوى ، وجميع العبادات في الاسلام تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم " انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وهكذا فان الدرجات العلى التي يدركها المسلم تأتي بحسن خلقه ، " فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ان العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة ، وأشرف المنازل،وانه لضعيف العبادة ، وانه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم".
في غمرة العبادات والطاعات والصلوات التي ترتفع الى الباري صبح مساء نبحث اليوم عن الاخلاق، عن السعادة التي أهداها الله للناس بطاعاتهم وتبتلهم اليه ،لأننا مع الله لانعبده فقط بل نقتدي بصفاته العظيمة، نستظل بالرحمة في كل آية من آياته المباركة، في كل صلاة نتجه فيها معا الى قبلة واحدة ،وفي وقت واحد، ونقرأ معا الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ونستعين بالله على حاجاتنا وهمومنا ،وعلى أن نأخذ بأيدي اليتيم والضعيف والمسكين ،وان نقيل عثرة الملهوفين ،ونمضي معا الى صراط الله المستقبم، فتشرق ايامنا نورا وبركة ،وتغرب فرحا وشكرا لله على نعمه ،ومغفرة يرفل بها المؤمنون......... ، فعبادتنا اخلاق وهي ليست من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها ،بل هي أصول الحياة التي يحترم الدين ذويها ،وان العالم الذي تسوده القيم النبيلة عالم تحكمه القيم الفاضلة ،ويرتبط ابناؤه بروابط متينة مبنية على الاحترام والتآلف والمحبة ،وينظر اليه العالم بكثير من الهيبة ، وتسير فيه عجلة الانتاج والعمل مستندة الى الرصيد الكبير من المثل، التي تحوله الى واحة للعدل ، والعبادات المجردة وحدها لا تصنع ذلك، ولكنه الايمان القائم على الفهم العميق لمدلولات هذه القيم ،........ فربما استطاع الطفل مثلا محاكاة افعال الصلاة وترديد كلماتها ،وكذلك قد يستطيع الممثل اظهار الخشوع في العبادات وتصنع المناسك، لكن ذلك لايغني عن سلامة اليقين ،ونبل القصد ،والحكم على مقدار الفضل يرجع الى مسار لايخطيء ،وهو الخلق والإيمان المدعوم باليقين ، اما المتدين الذي يباشر العبادات ويبقى بعدها كالح الوجه ،قريب العدوان ،بادي الشر لا يستفيد من عمله ، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يفعل الماء بالجليد ، والنفس المختلة تثير الفوضى في أحكم النظم ، وتنفذ منها الى أغراضها الدنيئة ، لكن النفس الكريمة ترفع الخبث ويشرق نبلها من داخلها فتحسن التصرف وسط الأنواء والأعاصير، والقاضي النزيه يكمل بعدله نقص القانون ،اما القاضي الجائر فيميل بالنصوص المستقيمة ويسخرها كما يهوى ،وهكذا وصف الله تعالى هذه الفئة فقال "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق ،وان يروا كل اية لايؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لايتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"
لقد سخر الاسلام الانسان للخير ولخدمة البشر وجاءت تعاليم الاسلام انسانية تخلص النية لله وحده، تعيش للحق حاثا على الاخاء والتعاون والتآلف ورهب الاسلام من يلعب بهم الشيطان ويغريهم بالتطاول على اخوانهم طلبا للاستعلاء في الأرض فبين ان هئولاء المتطاولين سوف يتضاءلون يوم القيامة، وعلى قدر ماانتفخوا ينكمشون، حتى يصيروا هباء ينضغط في مواطيء النعال، وفي الحديث الشريف "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان "
ان الحكمة تقتضي ان نجعل ايامنا تذكرة وعبرة تحمل لنا الانجازات والانتصارات على النفس فنروضها ،ونسخرها لخير البشر، لتكون واحة غناء في وسط صحرائنا المقفره وعالمنا المضطرب الحزين............ ،ماأجملها من أيام حين تتحول الى مواسم خير نقطف من ثمرها ونطعم منها الجائعين والتائهين ،وعابري السبيل لنحول عباداتنا في كل صلاة الى دعوة الى الاستقامة والرشاد ، والفرصة امامنا متاحة فنحن نصنع التاريخ ونقرا كتبنا غدا في يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، وتميد الارض من حولنا والجبال فلاتثبت الا أفعالنا