تحظى الترجمة الادبية بخصوصية نابعة من طبيعية النص الادبي الذي يعد نصا مفعما بالشاعرية والإيحاء, قائما على صور فنية تؤدي وظائف جمالية يود الكاتب إيصالها للقارئ. لذلك، فهي تتعلق بشكل رئيسي بكيفية ادراك المترجم للنصوص الادبية ليتمكن من إعادة كتابة نص بلغة اخرى بشكل ابدعي وفني بعيدا عن الترجمة الحرفية ناقلا من خلالها عمق العمل الادبي.
يتبادر الى الاذهان سؤال: هل يمكننا حقا تكوين مترجم؟ غالبا ما يكون هناك رأيين في هذا المجال، حيث تتعلق الاجابة بطبيعة الترجمة الادبية ففريق من الدارسين يرى انها عملية فنية ابداعية محضة, تتطلب معرفة لغوية وثقافية على حدٍ سواء. فيرون ان مترجم النصوص الادبية لا يمكن ان يكون حاملا لصفة المترجم بالمعنى الحقيقي, ما لم يكن اديبا قادرا على التعبير عن افكاره بلغته الام, كما انه لا يمكن لمترجم الشعر ان يكون مترجما ما لم يكن بالأساس شاعرا واعيا بالمفهوم العميق للشعر. فتبعا لهذا الفريق، فالمترجم الذي سيكون انتاجه اثرا ادبيا و يحاكي الأثر المترجم , يجب ان يكون هو نفسه أديبًا راسخًا الاثر بالتأليف الادبي ولا يكفي ان يكون ملمًا باللغتين.
بينما يرى الفريق الآخر ان فعل الترجمة الادبية يستدعي مترجما متمرسًا بجماليات الادب واستراتيجياته النصية, حيث يعتبر اصحاب هذا الفريق الترجمة الادبية فنا لا يلقّن وانما يترك لاستعدادات شخصية وعوامل فطرية. فليس من الضروري حسب هؤلاء ان يكون المترجم الادبي روائيا او شاعرا وانما يتطلب الامر وجود شاعرية وحس لدى المترجم حتى يقدم ترجمة ابداعية مرتبطة بالفن مع تحديد الأطر النظرية والتطبيقية لذلك. فتبعا لهذا الفريق, لا بد من ايجاد فضاءات وآفاق تسمح بتكوين المترجم الأدبي، من خلال تنظيم دورات تدريبية تعمل على ذلك، فنجاح عملية ترجمة الادب مرهون بمدى كفاءة المترجم ومهاراته في نقل الآداب بين ثقافات و شعوب مختلفة، اذ لا شك في انها تنقل مواريث ثقافية و معارف عدة من جيل الى جيل و من لغة الى اخرى، كما لها دور حاسم في الحياة الفكرية للأفراد والمجتمعات.
من هذا المنطلق اقول ان واجب المترجم الادبي ان يعي ان قراءة النص الادبي تختلف عن قراءة النص المتخصص فالأخير يركز على الرسالة اكثر من الشكل بينما الاول لا يأتي فهمه الا من خلال الشكل الذي يحقق ادبيّة النص, فمجال الترجمة الادبية واسعا حيث تتنوع الاجناس الادبية من وراية وشعر وقصة ومسرح والتي بدورها تختلف في اسلوبها وبنيتها و التحديات التي تواجه كل جنس ادبي منها. بناء على ما ذُكر، نذهب الى القول ان تكوين المترجم الأدبي ممكنًا وليس مستحيلاً .