ثالوث هام في الحياة يجمع بين أركانٍ ثلاثة لا غنى غنها وهي الغنى والحكمة والمعرفة، وتشكل هذه الثلاثة منارة لحياة الإنسان الساعي للبحث عن معنى ومفهوم الحياة الحقيقية.
فالحياة ليست عبثية، وليست من غير معنى أو جدوى، وإنما سلسلة متواصلة من البناء والعطاء والجهد والتعب لبناء حضارة إنسانية تقوم على القيم والمبادئ الإنسانية السامية التي جعلها الله في الإنسان فيكونَ أبناؤنا حقاً "غروس الزيتون حول مائدتنا" وتكونَ حياتُنا " كشجرة مغروسة عند مجاري المياه". فنوعية الحياة التي نحياها تؤثر لا بل توجه وتقود مسيرة أبنائنا في الحياة. فما نكنزه اليوم من كنوز الغنى والحكمة والمعرفة هو ما نقدر حقاً أن نوّرثه لأبنائنا ليكمِّلوا حملَ مشعل نور الحياة المضيء في عتمة الجهل والفقر والتخلّف.
ربما يفكر البعض أن الغنى المقصود هنا هو مجرَّد المال كما بقول أحمد شوقي " بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم .. لم يبن ملك على جهل وإقلال". والمال وإن كان أساسيا وضرورياً ولا غنى عنه في هذه الحياة وبالتحديد في عصرنا الحاضر، وبدون المال لا نقدر أن نعيش ولا نقدر أن نقتني بيتا ولا نقدر أن نسافر ولا نقدر أن نعلم أولادنا ولا نقدر أن ننال الرعاية الصحية الضرورية، ولكن الغنى أكبر وأوسع من المال، فكم من غني فقير وكم من فقير غني. فالغنى هو غنى النفس التي بغناها تدوس العسل " النفس الشبعانة تدوس العسل، وللنفس الجائعة كل مرٍّ حلو". وهذا الغنى هو السمو الحقيقي لأنه يرتفع بالنفس إلى أعلى الدرجات فلا يبيع الإنسان أوطانه ولا يفرّط بمبادئه ولا يخون العهد حتى ولو أُعطى كلَّ كنوز الدنيا. فأمام حضرة بريق المادة وسطوتها تضيع قيمُ الكثيرين وتنهارُ قصور عاجية وتتهاوى قلاع وهمية لم تجد شبعها الحقيقي.
وأما الحكمة المنشودة فهي الحكمة المبنية على مخافة الله أولاً وآخراً، هي الحكمة التي تبحث قبل كل شيء التمسك بالشرائع الإلهية التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وتأمر بالمعروف والعمل الصالح، هي الحكمة التي لا تتلذذ بأذية الآخرين وسرقة إنجازاتهم وقتل طموحهم وإغتيال شخصيتهم ووضع العصي بالدولايب، ولذلك تنفتح نفس الإنسان الخائف الله إلى البحث عن كل أشكال الحكمة التي تعزز مفاهيم الخير العام والصالح العام والمنظومة القيمية التي تتمتع بها كل مؤسسة بشرية تسعى لترك بصمتها في العمل و الإنجاز.
وأما العلم الذي ننشده من المهد إلى اللحد ولو في الصين، فهو مشّرع سماوياً، فَعِلْمُ الله ليس له حدود كما هي طرق الله وأحكام الله، وبالتالي نحن مدعويين لأن نَغرفَ من العلوم قدر إستطاعتنا وبحسب قدراتنا الفكرية وإمكانياتنا ومواهبنا، لنقدر أن نسهم بفكرنا وعلمنا وأن نخدم الإنسان والإنسانية، والبشر والبشرية. فقدرتنا العقلية هي أمانة ربّانية وجب إستثمارها خير إستثمار ليكون علمنا نافعاً وتكون أفكارنا خلاّقة مبدعة ورائدة في سبر غور العلم وإكتشاف كل ما من شأنه أن يخدم البشرية ويسهم في تقدّم الحضارة الإنسانية.
ثالوث هام هو ثالوث الغنى والحكمة والمعرفة، فطوبى لمن يجد معنى لحياته في ثناياها.