قصيدة الحصار تتحول إلى أغنية لتمجيد صمود الشعب في غزة.
نشر الشاعر أيمن أبو الشعر على قناته في تلغرام قصيدة ملحنة رائعة هي أنشودة الحصار يتحدث فيها بإجلال عن معاناة وصمود الشعب الفلسطيني في غزة، وقد لاقت القصيدة -الأغنية رواجا وترحيبا وتفاعلا من الشرفاء المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني وقضيته، حيث أبدع الملحن معن دوارة في تلحينها، وأدتها المطربة الموهوبة لانا هابراسو بإتقان وحس عميق بمضامينها، وكأنها تشدو من روحها، ولكن لنشيد الحصار هذا قصة مثيرة...
كتب الشاعر أيمن أبو الشعر هذه القصيدة الصغيرة نسبيا عندما زار لينينغراد ومقبرة ضحايا النازية وحصار القوات الهتلرية للمدينة، وذلك في الفترة الأولى من وصوله إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة العليا، وقد جسد فيها بآن معا مدى الخراب والدمار وعشرات آلاف الضحايا ومعاناة مئات آلاف المشردين... وشاءت الظروف أن يؤديها على العود في لقاءات الطلبة التقدميين في موسكو آنذاك إبان حصار بيروت عام 1982 ، وبدت بالفعل وكأنها كتبت لبيروت أيضا، ثم ضاعت القصيدة لسنوات، وما إن عثر عليها بين أوراق مكتبه حتى نشرها في مجموعته الأخيرة "تغريبة" أهل الشام، قبل عامين، ولم يكن يتوقع حينها أنها ستنهض من جديد لتكون لسان حال غزة المحاصرة الشهيدة المقاومية الصامدة البطلة، حتى أن الفنان الملحن معن دوارة، والفنانة المطربة لانا هابراتسو حين شرعا بتنفيذها كنشيد لم يخطر ببالهما أبدا أنها قصيدة قديمة، بل تخيلا ان الشاعر كتبها للتو، ولا غرو فالآلام الإنسانية واحدة في كل مكان وفي كل الأزمان كما يقول الشاعر نفسه: "وصراخ الإنسان سيبقى ذات الصوت بأي مكان فيه حناجر تتألم؟؟؟"
ولابد من ذكر حقيقتين هامتين في مسيرة الشاعر أيمن ألو الشعر كنت شاهدا عليهما مرات، الأولى أنه كرس جل نتاجاته الشعرية للقضية الفلسطينية حتى أن الشعراء محمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم حين التقوه قال كل واحد بطريقته ولكن بمعنى واحد بكل صراحة وبساطة: كنا نعتقد أنك فلسطيني وإذ بك ابن الشام، وكان جوابه "إنني شامي المولد فلسطيني الهوى!" والأمر الثاني أن لأيمن أبو الشعر تجربة مميزة جدا حيث كان يحمل عوده وينطلق للقرى والأحياء الشعبية يغني أشعاره ومعظمها عن فلسطين حتى أن الشاعر شوقي بغدادي والكاتب نصر الدين البحرة لقباه "بشاعر- تروبادور العرب"، ومن أهم أعماله الشعرية الموسيقية أوبريت "أوديب ثائرا" وهو عمل فني موسيقي غنائي يستمر 15 دقيقة في أسقاط كامل على القضية الفلسطينية ومسارها، ومحاولة الغرب خداع الشعب الفلسطيني وتصوير أن فلسطين ليست أرضه، وأن قدر الفلسطيني أن يتشتت، وهذا الأوبريت من تلحينه وغناء المطرب فهد يغن مع جوقة وأداء مسرحي.
لذا يمكن القول بثقة أن التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني ليس غريبا أبدا عن الشاعر أيمن أبو الشعر، بل سيكون غريبا إن لم يتفاعل مع هذه المعاناة، ناهيك عن تطابق وصف الأعداء مع ما جاء في القصيد فالزواحف وأصحاب الحراشف هي الكائنات الشنيعة السامة كالأفاعي والوحوش الضارية القميئة التي تصطاد في الماء العكر كالتماسيح، وهي صفات تتناسب وطبيعة الصهاينة، والتأكيد على الاستمرار في النضال رغم هول الدمار والضحايا هو أيضا من صفات شموخ الشعب الفلسطيني، والأمر الآخر هو مدى نجاح هذا الثلاثي في التجربة الإبداعية الغنائية الجديدة والذي بدأها الشاعر في إحدى أمسياته كرد على انتشار الأغاني السوقية التافهة بقوله خير لي أن أشعل شمعة من أن ألعن الظلام ألف مرة، وقد قدم قبل سنة عملا آخر عن فلسطين بعنوان عودة حبيب أيضا من تلحين الفنان معن دوارة وغناء المبدعة لانا هابراتسو، وهي تحكي قصة حبيبة تنتظر حبيبها فيعود شهيدا...
والرائع هنا أيضا أن أنشودة الحصار هذه التي أهداها الشاعر أيمن أبو الشعر والملحن معن دوارة، والمطربة لانا هابراتسو إلى الشعب الفلسطيني في غزة هي في حقيقة الأمر أغنية للصمود رغم الحصار وهول المأساة، فمن "كوة الخراب والدمار سيصمد البشر حقا!" وكان الرئيس الروسي فلادمير بوتن على حق حين شبه حصار غزة بحصار لينينغراد وهذا تأكيد مباشر على صحة ما طرحه أيمن أبو الشعر.