اختار جلالة الملك موقع قصر المشتّى للقائه أبناء البادية الوسطى من قبيلة بني صخر، ضمن جولة جلالته بمناسبة يوبيله الفضّي، وقد كانت الرسائل الملكيّة واضحة في خطاب تلك الليلة، بدءً من الاشارة إلى موقع القبيلة بالنسبة إلى بلدٍ يميّزه التنوّع الاجتماعيّ والثقافيّ، مرورًا بالإشادة لمن خدموا الوطن ورسالته، وصولاً لجهود الأردن التاريخيّة وبالذات الأخيرة في السياق العربيّ، ومكانته العالميّة التي انتزعها بـ "النخوة والكرامة". لكن ماذا نقرأ من رمزيات في كون اللقاء أقيمَ في باحة قصر المشتّى التاريخيّ؟
يعود هذا القصر للقرن الثامن الميلادي، حيث بناه الخليفة الأمويّ الوليد بن يزيد، ما يعكس أهميّة البادية الأردنيّة التاريخيّة التي دفعت الخلفاء لبناء قصورهم فيها، وحيث يطلّ جلالة الملك من نفس الموقع فإنه يعكس في آنٍ معًا؛ العمقين العربيّ والاسلاميّ للعرش الهاشميّ، والأهميّة الاستراتيجيّة والتاريخيّة للبادية الأردنيّة من خلال بني صخر بوصفها وسادة العروش. وعليه؛ فإن قصر المشتّى يمثل نقطة إلتقاء وارتباطٍ تاريخيّة بين الأسرة الهاشميّة والبادية الأردنيّة، أبعد وأكثر عمقًا من رصاصة الثورة العربيّة الكبرى على أهميّتها.
إن أهميّة البادية الأردنيّة تأتي من كون السلوك البدويّ لقبائلها، محكومٌ، بطبيعة التاريخ، بالكثير من التقاليد الصارمة التي وإن جعلته أكثر خمولاً في الحياة السياسيّة "اليوميّة"، لكنّها حفظته من مخاطر الإنزلاق غير المحسوب نحو خياراتٍ بعيدةٍ عن أولوياتِ الاستقرار لحساب فكر المغامرة واللهو، والتي غالبًا، هذه الخيارات، ما تأتي نتيجة للفهم المتعجِّل والحماس المُفرط لأفكارٍ ومشاريعَ سياسيّة عابرة للدول ولا تراعي خصوصيّات المجتمعات والبلدان. لقد أضفت القبائل الأردنيّة بسلوكها هذا نوعًا من الرصانة والثِقَل على المزاج السياسيّ للمجتمع ووازنت بين اندفاع الشارع وتأنّي السلطة، وساعدت، في مراحل حسّاسة ومفصليّة، على تعزيز البُعد الاجتماعي للملكيّة في الأردن، وذلك بالمقاربة بينها وبين نظام الشيخة البدويّة.
إن رؤية قصر المشتّى في جولة اليوبيل الفضّي لجلالة الملك، تعكس الاهتمام الموصول للنظام الملكيّ بمكتسبات الشعب الأردنيّ التاريخيّة وإرثه الإنسانيّ العريق، وتُعيدُ إلى ذاكرتنا الواجهات الزخرفيّة الرائعة للقصر، التي نُهِبَت قبل قرنٍ تقريبًا وأُرسِلّت إلى ألمانيا وكانت النواة الأساس لقسم الفنون الإسلاميّة في متحف بيرغامون.