قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن زعيم حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، المختبئ في أحد أنفاق غزة، هو، الآن، مفتاح اللعبة النهائية في غزة، موضحة أن سعي الوسطاء إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع يعتمد على "السنوار" وخصومه الإسرائيليين.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها، اليوم الأحد، أن السنوار باعتباره أكبر مسؤول بالحركة في غزة هو مهندس هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما دفع إسرائيل لتصور اغتياله كهدف رئيس لهجومها المدمر على القطاع.
وفي الوقت الذي وصف فيه المسؤولون الإسرائيليون "السنوار" على أنه "رجل ميت يمشي"، أصبح بقاؤه على قيد الحياة رمزًا لفشل الحرب الإسرائيلية، التي دمرت جزءًا كبيرًا من غزة، لكنها تركت القيادة العليا لحماس سليمة إلى حد كبير، وفشلت بتحرير معظم الأسرى الذين تم أسرهم، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفق الصحيفة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون الإسرائيليون إلى قتل السنوار، إلا أنهم اضطُروا إلى التفاوض معه، ولو بشكل غير مباشر، لتحرير الرهائن المتبقين، الأمر الذي لم يظهر "السنوار" كقائد قوي الإرادة فحسب، بل كمفاوض ذكي نجح بتجنب انتصار إسرائيلي في ساحة المعركة أثناء إشراك المبعوثين الإسرائيليين على طاولة المفاوضات، وفق ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين من حماس، وإسرائيل، والولايات المتحدة.
ولفتت الصحيفة إلى أن تصريحات هؤلاء المسؤولين، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، جاءت في معرض مناقشة التقييمات الاستخباراتية الحساسة للسنوار، والمفاوضات الدبلوماسية.
وبينما تتم الوساطة في المحادثات في مصر وقطر، فإن "السنوار"، الذي يُعتقد أنه مختبئ في شبكة أنفاق تحت غزة، هو الذي يحتاج مفاوضو حماس إلى موافقته قبل تقديم أي تنازلات، وفق قول بعض هؤلاء المسؤولين للصحيفة الأمريكية.
وفي فبراير/شباط الماضي، نشر الجيش الإسرائيلي لقطات قال إنها للسنوار وهو يسير عبر نفق مع العديد من أفراد أسرته، وهي المرة الأولى التي شُوهد فيها، على ما يبدو، منذ اختبائه قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
السنوار من وراء الكواليس
وبحسب الصحيفة، لعب "السنوار" دورًا محوريًا وراء الكواليس في قرار حماس بالتمسك بوقف دائم لإطلاق النار، وفق المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، وكثيرًا ما أدى انتظار موافقاته إلى إبطاء المفاوضات، وفقًا لمسؤولين ومحللين.
وأشارت إلى أنه بعد أن دمّرت الضربات الإسرائيلية جزءًا كبيرًا من البنية التحتية للاتصالات في غزة، كان الأمر في بعض الأحيان يستغرق يومًا واحدًا لتوصيل رسالة إلى السنوار، ويومًا واحدًا لتلقي الرد، بحسب مسؤولين أمريكيين، وآخرين في حماس.
ورغم أن "السنوار" لا يتمتع من الناحية الفنية بسلطة على حماس بأكملها، إلا أن دوره القيادي في غزة، وشخصيته القوية، يمنحانه أهمية كبيرة في إدارة عمل الحركة، وفقًا للحلفاء والأعداء على حد سواء، بحسب تعبير الصحيفة، لكنها أشارت إلى إصرار مسؤولي حماس على أن "السنوار" ليست له الكلمة الأخيرة في قرارات الحركة.
وتابعت "نيويورك تايمز": "السنوار العقل المدبر لإستراتيجية كان يعلم أنها ستثير رد فعل إسرائيليًا شرسًا، لكن في حسابات حماس، كان مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين هو التكلفة الضرورية لقلب الوضع الراهن مع إسرائيل".
دوافع السنوار
وبينت أن وكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية أمضت عدة أشهر في تقييم دوافع السنوار، وفق مطلعين على المعلومات الاستخبارية، مشيرة إلى اعتقاد المحللين الأمريكيين والإسرائيليين بأن دافع السنوار الرئيس هو الرغبة في الانتقام من إسرائيل وإضعافها، بينما يبدو بالنسبة له أن رفاهية الشعب الفلسطيني أو إنشاء دولة فلسطينية هما أمر ثانوي.
وقال مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون للصحيفة إن السنوار يستخدم معرفته العميقة بإسرائيل، بعدما قضى أعوامًا في سجونها، لزرع الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، وزيادة الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
كما يعتقد هؤلاء أيضًا أن "السنوار" يحدد توقيت إطلاق مقاطع الفيديو لبعض الرهائن الإسرائيليين من أجل إثارة الغضب العام تجاه نتنياهو، خلال المراحل الحاسمة من محادثات وقف إطلاق النار، بحسب الصحيفة.
ولفتت إلى أنه إذا كان ينظر البعض إلى نتنياهو على أنه يتعمد إطالة أمد الحرب لتحقيق منفعة شخصية، فإن عدوه اللدود، السنوار، يفعل الأمر ذاته.
ونقلت عن ضباط الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية قولهم إن إستراتيجية "السنوار" هي إبقاء الحرب مستمرة طالما أنها ستؤدي إلى تمزيق سمعة إسرائيل الدولية، والإضرار بعلاقتها مع حليفتها الأساسية الولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى انتقاد الرئيس الأمريكي للسياسة الإسرائيلية، بعدما هدد بوقف بعض شحنات الأسلحة الأمريكية إذا شن الجيش الإسرائيلي عملية واسعة النطاق في رفح.
ويرى المسؤولون الأمريكيون أن "السنوار" أظهر ازدراءً لزملائه خارج غزة، الذين لم يتم إبلاغهم بالخطط الدقيقة لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفق ما أورده تقرير الصحيفة.
ونقل التقرير اعتقاد مسؤول غربي كبير، مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار، بأن "السنوار" يتخذ قراراته بالتنسيق مع شقيقه محمد، وهو قائد عسكري كبير في حماس، وأنه طوال الحرب كان يختلف أحيانًا مع قادة الحركة خارج غزة.
وقال المسؤول إنه في حين أن القيادة الخارجية كانت في بعض الأحيان أكثر استعدادًا للتوصل إلى تسوية، فإن السنوار كان أقل استعدادًا لتقديم تنازلات للمفاوضين الإسرائيليين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه يعلم أنه من المرجح أن يتم قتله، سواء انتهت الحرب أم لا.
وأضاف المسؤول أنه حتى لو توصّل المفاوضون إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تلاحق إسرائيل السنوار بقية حياته.
وحدة "حماس"
من جانبهم، حرص مسؤولو حماس على إظهار الوحدة، وقلّلوا من أهمية الدور الشخصي للسنوار في صنع القرار، مؤكدين أن قيادة حماس المنتخبة تحدد بشكل جماعي مسار الحركة، بحسب الصحيفة.
ونقلت عن القيادي في حماس المقيم في قطر، موسى أبو مرزوق، قوله إنه إذا كان "السنوار" لعب دورًا كبيرًا خلال هذه الحرب، فذلك يرجع في الغالب إلى منصبه، فبصفته زعيم حماس في غزة، يتمتع بكلمة أكبر، وإن لم يكن القرار الأخير له.
وقال أبو مرزوق: "رأي السنوار مهم للغاية، لأنه موجود على الأرض، ويقود الحركة من الداخل"، لكن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، إسماعيل هنية، له "الكلمة الأخيرة" في القرارات الرئيسة، وجميع القادة السياسيين لحماس لديهم "رأي واحد".