قبل عشرين عاما ونيف كتبت رواية اهل الجرح ولعل الكتابة عن فلسطين حبرها الدم ومركزها القلب الذي غلبه التعب وكنت شديد التأثر بكتب تروي قصصًا وكتبت عن فلسطين واشهرها القدس في عيون الطامعين وملخصات ما كتبه الاستاذ نبيل الزرو في تاريخ القضية الفسطينية واسطورة البقاء والتحدي .
كتبت الرواية في غضون الغربة الطويلة خارج وطني الأردن وكل حرف فيها يتخلله قصد وبوح عميق للمعاني التي تحتاج للشرح الطويل والتفسير الواضح الذي لا لبس فيه بان الارض قد سرقها الغرباء عنوة بل بقوة السلاح والخديعة الطويلة لتبدأ قصة الزمن الجريح عن وطن اسمه فلسطين وليس سوى فلسطين غضب من غضب .
عندما بدأت الكتابة كنت محتارا ما عساي ان اكتب امام التاريخ والجمر والنار وبنادق الثائرين في فلسطين حتى انسابت الكلمات هديرا لا يتوقف على طول الصفحات بل كجريان الماء العذب الذي يروي حواف القلب ويبرء العلل الجسام وشقوق الجروح النازفة عبر سنوات من الصبر الجميل.
يوم صدورها قبل ردح من السنين كنت اتوقع هالة كبرى ستحدث فور إعلان صدورها قبل قدوم السنين المتخمة بأحزان الشام واليمن والعراق وفلسطين لان المفاجاة صدمتني وقد لمست عيوننا حائرة وغير مبالية لا بكلام فيه الدقة ولا بمختصر الكلام ولا حتى دمعة بفلسطين المنسية وكأن الكلام مثله مثل كل الاوراق التي لا تقدم ولا يؤخر في واقع الاحزان العربية ! .
وها أنا اليوم اعود للصحافة ودربها الصعب واقول بصوت جهور عال اتعبني يوما .. ايها القراء الكرام قراء العربية ولغة القران لابد ان بكون بينكم من يمتلك الرشد !؟! افيقوا. انتم اليوم وقبل كل يوم امام كلمات تروى عن اهل الجرح في فلسطين فان انتم لم تنصفوهم فمن اين ياتي الإنصاف!! . العالم اليوم وفي الغرب تحديا قد فهم ووعى اصل الحكاية عن فلسطين وما نراه من مظاهرات لا واحتجاجات وإعلانات الاعتراف بدولة فلسطين لا علامات لفهم الواقع المغيب يوما وعاد اكثر قوة وبأسا وطفت الحكاية من جديد ولا تغيب فلسطين عن خرائط العالم وخواطر القلوب. سأعيد نشر رواية اهل الجرح مرة أخرى ومرات في كل مكان تسطع الحرية به وتعلو بها الهمم واذكر قراء العربية في جميع الاوطان واعالي البحار لانني كتبتها باعتزاز بالدم الصافي والارق والصبر و ما زالت من المؤمنين بأن أشجار الزيتون ستزهر مرات اخرى وسنولد رغم الحزن القاتل وما زال امل البقاء والإصرار فينا مزروعا للابد.
إن اهل الجرح كل من بفلسطين برمتها هم أهل الديار ومالكيها هم نبت الارض وجذور الزيتون الذين استفاقوا في بلداتهم الوادعة على خيام نصبت في اواخر الليل من ليالي البرد في شتاء فلسطين والناس آمنون في مراقدهم وعندما استفاقوا في بواكير اول الحكاية عند مطلع الفجر صدموا بوجود حفنة من الغرباء وخيامهم وهم يتجولون بين اشجار اللوز والزيتون ويتكلمون بوضوح لا همسا بلغة اخرى غير لغة اهل الارض لغتنا العربية، كانوا يتجولون خلسة وكأنهم اهل الديار ويتكلمون بأصوات كلها ثقة كمن يمشي في بيته ومن أين أتت لهم جراءة اللصوص وثقة السارقين في وضح النار !؟! . إن اهل الجرح قد مسهم الضر وغرتهم الاماني وإن ما يعانون منه حقيقة تبصرها وتشاهد ألوان من الدمار والعجب وتقول عنه شيء من الخيال
الحمد لله اننا شهدنا ولوج الثأر في حركة الزمان في شهر اكتوبر الخالد على طريق الثأر لأهلّ الجرح العميق في زمن الانكسار العربي وصحوة الامم الأخرى الذي تأكدوا بان الغرباء لا رأفة في قلب اي واحد منهم فهم عصابات ماجنة اغتالوا كل جميل في ارضنا واعتدوا على براءة الاطفال النساء وقتلوا الرجال بدم بارد وأسرهم بصور مهينة لكن على ارض فلسطين دماء أهل القرى تنساب وتبشر بنصر قريب وزوال الظلم ورحيل للغرباء وهذا ما توقعته الرواية قبل عشرين عاما!!.
إن رواية اهل الجرح تذكار شديد الوجع عن فلسطين واشكر كل من تلذذ بتصفحها وساندها بكل شيء وممتنا لكل من اخذ منها ناشرا او مقتبسا او مختزلا او حتى من اخذ من عناوين صفحاتها بوابات للدراما العربية ومسلسلات التاريخ والدموع الحرى على الفقد والوجع النبيل دون استئذان مسبق فالحديث عن فلسطين لا إذن فيه!! . شكرا لمن اخذها من يدي هنا وهناك عبر سنوات طويلة لانها باكورة ما كتبته على مدى هذا العمر الذي غلبه الشجن العميق.