اخي وصديقي الدكتور درويش الخواجا احد الجهابذة الكبار في طب الأعصاب وجراحة الدماغ عالميا يحمل الجنسية الاسترالية منذ أكثر من عقدين ويعتبر من اشهر الجراحين على مستوى العالم وقد اجرى بيديه المباركتين الآلاف من العمليات النادرة والناجحة في استراليا وغيرها وما يبهرك ان ترى سيدة أمضت ما يزيد عن عشرة أعوام جالسة على كرسي متحرك إلا أن وجدت ضالتها بهذا الطبيب الإنسان الذي اجرى لها عملية نوعية لتعود تمشي على أرجلها بين اولادها وعائلتها بعد زمن من الانكسار الطويل . إن من اعجب ما عمله هذا العالم الطبيب ازالة الأورام السرطانية من النخاع الشوكيّ داخل العمود الفقري بكل جدارة وما زالوا مرضاه يتنفسون الحياة بعد شفاهم.
الدكتور درويش الخواجا كان معه رقم وطني اردني ومولود في عمان عاصمة قلوبنا ولم يسبق له العيش في الضفة الغربية او غزة او ان يزورهما وكان متعودا كل خمس سنوات ان يجدد جواز سفره لكن ما حدث قبل عشرة سنوات وتزيد تم رفض طلبه من دائرة الاحوال بحجة انه ليس اردنيا !! وعلل القرار العبثي وغير المفهوم بان الدكتور درويش ينطبق عليه قرار فك الارتباط القانوني مع الضفة العربية التي لم يزرها مطلقا وقد شمل هذا القرار المئات مثله.
إن سحب رقمه الوطني وعدم اجابة الطلب بتجديد جواز السفر يعنى نزع جنسيته الأردنية ولا يجوز له امتلاك اية وثيقة أردنية اخرى !!. كنت اتسال عن تفاصيل في قانون الجنسية وموجبات اتخاذ مثل هذا القرار واين يكمن الخلل أفي بنود الأنظمة والقوانين الدستورية! ام منشأ هذه القرارات اجتهادات غير موفقة بدأت من موظف في دوائر الدولة بنى قراره على الملفات القديمة غير المكتملة ورمى الحجر ببئر الماء العميق فعجز وزير الداخلية عن انتشاله!. اضافة لخلق التشويش الذي حدث في دوائر الامن المختصة التي تتقصى عن حقائق الأمور وحماية الأردن من اعدائه.
ان هذا الطبيب البارع يسافر الى الأردن مرات في العام ويدخل وطنه بجوازه الاسترالي ويجري عمليات نوعية احيانا في عمان ويمضى من وقت إجازاته الثمينة بما بين الدوران والمشي بين مكاتب الدوائر الحكومية والمحامين المبعثرين هنا وهناك والجميع الذي يظن انه يحتكر القرار او يعرف مداخل أصحابه عدة سنوات مضت والحديث عقيم سقيم ليس فيه فائدة!
لقد صادف صديقي من أصناف الناس الكثير منهم لئيم الطباع لا يريد الخير للناس نتيجة عصبية بغيضة او سوء فهم للأصول والمنابت لكنه وجد كراما من الناس والمتعاطفين والمتسامحين والجريئين في قول الحق!.
لكنه يعود إلى استراليا ولون وجهه فيه الاحمرار والسواد والصفرة والوجع الدفين في عينيه فما هكذا تقاد الإبل!!! أهكذا يعامل العالم الفذ الذي يساعد اهل وطنه في الداخل والخارج بكل ما يقدر عليه.
لقد كانت علامة الدكتور درويش في التوجيهي تقرب من المئة في زمن صنف الأقوى تنافسا ونوعية إلى ان اكمل دروب التفوق طيلة حياته.
لم يكن لهذا الطبيب حالة من العصيان والتحزب ضد الوطن مطلقا وهو ليس من الناس الذين تعلوا اصواتهم على القوانين بل في محياه ادب وخلق كريم وعلم عزيز فلو تقدم لاي بلد في العالم كمثل استراليا لمنحته الجنسية مباشرة وفوقها أوسمة ونياشين لا تعد.
هذا النطاسي البارع اصبح له اكثر من ربع قرن أخصائيا وأستاذا جامعيا يعلم في كلية الطب في جامعة سدني وفي عياداته وتحتاج ان تحجز موعدا معه خلال شهرين او ثلاثة لتراه بسبب ندرة التخصص في استراليا والطلب الشديد عليه ومن قلة اهل الاختصاص ويمر أصلا بمراحل من التقييم سنوات طويلة ليحصل على شهادة مزاولة طبية. إن قصة الدكتور درويش قصة نجاح ومثالاً وقدوة للباحثين عن الانتماء للوطن بكل ما فيه وقضيته كمثل الاعداد الكبيرة الذين سحبت منهم الأرقام الوطنية وتم تشكيل لجان لحلها وتعقيدها منذ سنوات طويلة وما زال الكثير منهم يتعلق بحلم اعادة الجوازات له ولأبنائه واخوانه.
إن هناك مجموعات من اصحاب الكفاءات العليا في قارات العالم يرغبون في العودة إلى تراب وطنهم وهم يحملون الأرقام الوطنية يواجهون تحديات في طريق العودة للوطن والتي تبدوا مستحيلة احيانا.
يأتيك عالم بدرجة بروفسور من ارقى جامعات العالم وتصنيفاتها ويقال له من احد مسؤولي الجامعات الأردنية لابد من امتداد التخصص لتقدم طلبك في كل المراحل الجامعية او يطلبون جيد جيدا في الثانوية العامة يوم تخرج من مدرسة من احدى أحياء عمان القديمة والفقيرة قبل اربعين عاما! يذكرونه بفقره ومدرسته المتهالكة يوم كان يعمل بها عدد قليل من المدرسين في ايام شتاء القرى الباردة ! بل يعتبروه شرطا لقبول طلبه أصلاء …ناهيك عن أسلوب معادلة الشهادات الصادرة من خارج الأردن باختلافات مستوياتها فهي قصة تروى وغير مفهومة الاحداثيات وتخضع للاجتهادات غير المنطقية احيانا.
زرت عمان باحدى اشهر الشتاء البارد وكان معي خمس شهادات حتى الدكتوراة مختومة من السلطات الاسترالية والسفارة الأردنية وكانت رغبتي العودة إلى بلدي والاستقرار فيها وتقديم شيء من العطاء نتيجة خبرة طويلة إلى ان التقيت بأحد الاصدقاء وشرح لي كيف ان شهاداته الاصلية في ادراج وزراة التعليم العالي منذ اشهر والبحث جاري للعثور عليها فتذكرت كثير من المسلسلات التي تروي أشياء عن الترهل الاداري وغياب النهج الواضح لكل اعمالنا ووظائفنا وحدث ولا حرج عن مسلسل يوميات مدير عام.
إنني مدرك بأننا في بلد يواجه الصعاب من كل حدب وصوب لكن هذا لا يعذرنا بان نخلق خططا للإصلاح الحقيقي وفتح نوافذ لأبناء الأردن في خارجه وداخله.
إن النوافذ المشرعة قد تتعدد الأشكال والأحجام والاتجاهات لكن يراد لها رجل حكيم وأمين يحب وطنه فلا فائدة من التعنت وتقديم العربة امام الحصان لانه يمكننا في الأردن ان ننجز الكثير من الأمور المتعلقة بفرص العمل وحلول البطالة والقضاء على الفساد الظاهر والباطن وتصويب كثير من العلل . إن كل ما في الأمر ان الوطن يحتاج لأمانة الرجال العالمين والجريئين في اتخاذ القرار وهمهم خدمه الأردن واهله مهما كانت مشاربهم وأصولهم.
أنا متابع بكل اهتمام التوجيهات و الأولويات التي يركز عليها جلالة الملك المفدى مرات ومرات فالوطن الأردني بحاجة لفتح الأذرع لأبنائه في الخارج وتشجيعهم على الاستقرار بوطنهم لانهم بلا شك سيسهمون في بناء وطن حاضن يعيد رسم وجه الوطن بصورة لائقة لا منفرة .