بتاريخ ١٠ / ٦ / ١٩١٦ وقع حدث غير مجرى التاريخ في منطقتنا العربية والعالم . الا وهو انطلاق الثورة العربية الكبرى . ففي هذا التاريخ ومن قصر شريف الحجاز واميرها الحسين بن علي ، اطلق هذا الشيخ الجليل رصاصة من شرفة منزله لتعلن انطلاق الثورة العربية الكبرى ضد الاستعمار والاستبداد العثماني الذي جثم على معظم دولنا العربية لاكثر من اربعة قرون ، تم فيها حكمنا باسم الاسلام والخلافة الاسلامية التي انتزعت من بني عباس بعد استيلائهم على مقتنيات الخلافة من آخر خلفائهم . ساد فيها الجهل والتخلف بلادنا ، وعشنا في عصور الظلام ،في حين عاش سلاطين بني عثمان عصور العز والجاه ، والذي لا ننكر انهم حققوه ، وانتصروا في حروبهم على دول الكفر والدولة الصفوية ، واقاموا امبراطورية كبرى يخشاها الجميع ويحسب حسابها . الا ان ذلك كان على حسابنا ، فقد عشنا في فقر وجهل ، و كمصدر دخل لهذه الدولة عن طريق الضرائب الباهظة التي كانت تفرض على شعبنا . و دماء شبابنا الذين كان يتم تجنيدهم لخدمتها في حروبها ، في حين كان يتم ارسال جيشهم الانكشاري و ولاتهم ليقوموا بقمعنا ونهبنا ونصب اعواد المشانق لكل من كان يعارضهم . ولم يقف الامر على ذلك بل سعوا لالغاء اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم واحلال اللغة التركية مكانها فيم عرف باسم التتريك . مما دفع الشعوب العربية للسعي الى الخلاص من هذا الاستعباد ، والدعوة للثورة على الدولة العثمانية ، وطلبوا العون والمساندة من اشراف ال هاشم في الحجاز ، حيث ردوا على هذا الطلب بالقول لقد طاب الموت يا عرب . وزحفت كتائبهم في كل اتجاه لاخراج العثمانيين من بلادنا ، وكانوا حيثما يسيرون ينضم اليهم الشباب العربي . الا ان هذه الثورة وقعت ضحية للمؤامرة البريطانية الغربية ، والذين ادعوا دعمهم لها . ووعدوا بتوحيد المناطق العربية ، وتعيين شريف مكة ملكاً عليها . الا انه وما ان تم النصر على الدولة العثمانية ، وانتهاء الحرب العالمية الاولى حتى غدروا بالعرب ، وقسموا بلادهم وديارهم بينهم . ووضعوها تحت الاستعمار و الانتداب والوصاية . واصدروا وعد بلفور المشؤم بإنشاء كيان لليهود في فلسطين . وكانت منطقة شرق الاردن من نصيب الوصاية البريطانية . حيث عين لها معتمد بريطاني .
الا انه بقيت الثورة العربية الكبرى اول تحرك عربي وحدوي جمع العرب من مختلف منابتهم في سبيل تحقيق حريتهم ودولتهم الموحدة ، ونحن لا زلنا بانتظار الثورة العربية الشاملة الثانية التي تحقق حريتهم و وحدتهم .
هذا وقد تحرك شيوخ وزعماء ورجالات شرق الاردن عام ١٩٢٠ للمطالبة بانشاء امارة في شرق الاردن ، وان يتم استثناؤها من وعد بلفور ، وان يتم استدعاء احد اشراف بني هاشم ليكون اميرها . وقد تم لهم ذلك . و قام بهذه المهمة سمو الامير عبدالله بن الحسين عندما قدم الى شرق الاردن ونصب اميراً لهذه لامارة . وتم تشكيل نواة للجيش الاردني . الا ان بريطانيا فرضت عليه قائدا بريطانيا بالاضافة الى عدد من كبار الضباط . وبقي سمو الامير يعمل على تحقيق الاستقلال التام للاردن حتى تم ذلك بتاريخ ٢٥ / ايار / ١٩٤٦ . حيث صدر قرار عن الامم المتحدة بالموافقة على انهاء الانتداب البريطاني ، والاعتراف بالاردن كمملكة مستقلة ذات سيادة ، واعلن البرلمان الاردني تنصيب جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملكاً عليها .
الا انه وبموجب المعاهدة الاردنية البريطانية فقد بقيت قيادة الجيش الاردني وبعض كبار ضباطه من البريطانيين بحجة المساعدة بتأسيس جيش اردني قوي . و ظل وجود هؤلاء الضباط نقاطاً سوداء في صحائف جيشنا العربي الاردني . وبعد اغتيال الملك المؤسس على اعتاب المسجد الاقصى ، وهو يهم بدخوله لأداء صلاة الجمعة ، وذلك في العشرين من تموز عام ١٩٥١ ، و خلفه في الملك جلالة الملك طلال بن عبدالله والذي وبالرغم من قصر مدة حكمه فقد وضع الدستور الاردني في عام ١٩٥٢ . و خلفه في الملك جلالة الملك الحسين بن طلال في الحادي عشر من آب عام ١٩٥٢ .
والذي ومن بداية عهده لم يكن على وفاق مع القيادة البريطانية للجيش الاردني ، وكانت هناك مطالب اردنية بالتخلص من الضباط الانجليز . وبتاريخ الاول من آذار عام ١٩٥٦ وبطريقة مفاجئة وبالاتفاق مع الضباط الاردنين الاحرار ، ومن قصر رغدان اعلن جلالة الملك الحسين طرد قائد الجيش البريطاني جلوب باشا وجميع الضباط البريطانيين من البلاد وانهاء خدماتهم وتعريب قيادة الجيش العربي الاردني . وتعيين اللواء راضي عناب كاول قائد اردني للجيش العربي الاردني . ومنذ ذلك الوقت حافظ الجيش الاردني على عروبته . وقام بحماية الاردن وحدوده ، و خاض المعارك التي نشبت مع الكيان الصهيوني وعلى الاخص معركة الكرامة التي اذاق فيها قوات هذا الكيان اول واقسى هزيمة . ولما عرف عن هذا الجيش من مهارة وشجاعة وانضباط ، فقد شارك في الكثير من قوات السلام الدولية وفي العديد من دول ، حيث اثبت مقدرته واكتسب سمعة مشرفة بانه من الجيوش التي يحسب حسابها في العالم .
ولهذا فاننا وفي كل عام نحتفل بهاتين المناسبتين الغاليتين على قلوبنا .