في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، جاء اغتيال إسماعيل هنية في طهران كحدث غير متوقع زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة... ففي حين كان العالم يترقب ردًا إيرانيًا سريعًا وحاسمًا على هذا الاغتيال، فاجأت طهران الجميع باختيارها نهج التريث، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التأخر... هل تسعى إيران لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب ثأرها المتوقع ؟.
للوهلة الأولى، قد يبدو تأخير إيران في الرد على اغتيال إسماعيل هنية غير منطقي بالنسبة لدولة طالما قدمت نفسها كقوة إقليمية لا تتردد في مواجهة أعدائها... لكن، إذا ما نظرنا بعمق إلى المشهد، نجد أن إيران تدرك أن التحرك العسكري ليس دائمًا الخيار الأمثل لتحقيق مصالحها الوطنية... في الواقع، يبدو أن إيران تسعى لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال استغلال هذا الاغتيال كوسيلة لتحسين وضعها الإقليمي والدولي.
من الجانب السياسي، فإن طهران تدرك جيدًا أن أي رد عسكري قوي قد يؤدي إلى تصعيد واسع النطاق في المنطقة، وهو ما قد يعقد علاقاتها مع القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة... إيران التي تجد نفسها محاصرة بالعقوبات الاقتصادية القاسية، قد رأت في اغتيال هنية فرصة لإعادة ترتيب أوراقها على الساحة الدولية... فبدلاً من التسرع في الرد، قد تكون طهران تسعى لتوظيف هذا الحدث كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى لتخفيف العقوبات المفروضة عليها... فتأخير الرد يرسل رسالة مبطنة بأن إيران، رغم قوتها العسكرية، تختار الدبلوماسية كخيار أول، وهو ما قد يفتح الباب أمام مفاوضات جديدة تصب في مصلحتها.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن إيران تدرك أن الاستقرار الإقليمي هو العامل الأهم لتحقيق انتعاش اقتصادي مستدام... فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية في الداخل، تسعى طهران إلى جذب استثمارات أجنبية واستعادة بعض من عائداتها النفطية المجمدة... وتحقيق هذا الهدف يتطلب من إيران إظهار نفسها كشريك عقلاني ومستقر يمكن الوثوق به من قبل المستثمرين الدوليين... ومن هنا، يمكن فهم التريث الإيراني كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز ثقة العالم بقدرة إيران على ضبط نفسها وتجنب التصعيد العسكري غير المبرر.
وفي السياق نفسه، لا يمكن إغفال البعد الإقليمي لتحركات إيران... فهي تدرك أن أي رد عسكري على اغتيال هنية قد يؤثر سلبًا على علاقاتها مع حلفائها في المنطقة... إيران، التي تستثمر الكثير في دعم حركات المقاومة والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، تسعى للحفاظ على توازن دقيق بين دعم حلفائها وعدم جرهم إلى مواجهة شاملة قد تكون لها عواقب وخيمة... وبالتالي، فإن تأخير الرد قد يكون جزءًا من حسابات أوسع تهدف إلى الحفاظ على شبكة تحالفاتها الإقليمية وتقوية نفوذها في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل البعد الداخلي لهذا التأخير... فإيران، التي تواجه تحديات داخلية متعددة، بما في ذلك الاستياء الشعبي من الوضع الاقتصادي المتدهور، قد رأت في تأخير الرد فرصة لترتيب أوراقها الداخلية وإعادة توجيه الغضب الشعبي نحو هدف خارجي... في هذا السياق، يمكن النظر إلى تأخير الرد كجزء من تكتيك سياسي يهدف إلى إظهار القيادة الإيرانية على أنها قادرة على التحكم في الأوضاع وتوجيهها بما يخدم المصالح الوطنية العليا.
وفي الختام، يمكن القول إن تأخير إيران في الثأر لاغتيال إسماعيل هنية قد وأقول قد لا يعكس ضعفًا أو ترددًا، بل هو جزء من استراتيجية محسوبة بعناية تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على المدى الطويل... إيران، التي تجد نفسها محاصرة بالتحديات من كل جانب، تسعى لاستغلال هذا الحدث لتحقيق أهداف أكبر تتجاوز الرد العسكري المباشر... ومن هنا، يبقى السؤالين التالين مفتوحين : هل تساوم إيران بمكاسب سياسية واقتصادية على حساب الثأر لهنية؟
وهل ستنجح إيران في تحقيق هذه المكاسب دون أن تدفع ثمنًا باهظًا؟ ... الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذين السؤالين ، لكن ما هو مؤكد أن طهران لن تتخلى عن مصالحها الوطنية، وستظل تسعى لتحقيق أهدافها بأكثر الطرق ذكاءً وحذرًا... وأصبحت مسألة الانتقام لهنية...مسألة ثانوية...قد تتفق مع ماتسميهم اعداءها على سيناريو الرد لحفظ ماء الوجه فقط...وللحديث بقية..