انتهت الانتخابات البرلمانية الأردنية مؤخرًا، وقد برز خلالها دور جهاز الأمن العام بشكل لافت للأنظار، ليكون نموذجًا يحتذى به في إدارة الأحداث الكبرى بمهنية عالية وكفاءة استثنائية. تأتي هذه الانتخابات في ظل ظروف استثنائية سياسية واجتماعية واقتصادية، وهو ما يجعلها اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأجهزة الأمنية على التعامل مع مختلف التحديات التي تفرضها عملية ديمقراطية بهذا الحجم... ولعل أبرز ما يميز جهاز الأمن العام الأردني في هذه المرحلة هو احترافيته في التعامل مع الأفرازات السلبية التي قد تنشأ عن الانتخابات، مثل الشغب والاحتجاجات، وقدرته الفائقة على السيطرة على كل المواقف دون استثناء أو تصنيف للمناطق.
ورغم أن الانتخابات البرلمانية بطبيعتها قد تفرز حالات من التوتر أو الخلافات السياسية والمجتمعية، إلا أن جهاز الأمن العام استطاع أن يظهر مجددًا مدى قدرته على التعامل بحزم ومرونة معًا، لتفادي التصعيد والحفاظ على السلم المجتمعي... وهو أمر ليس بالجديد على جهاز يمتلك رصيدًا طويلًا من الخبرة في تأمين الفعاليات الكبرى والتعامل مع المواقف المعقدة.
ما يستحق التقدير هو أن جهاز الأمن العام لا يعترف بما يسمى "المناطق الساخنة" أو "المناطق العصية"... تلك المفردات التي قد تكون مستخدمة في بعض الدول للإشارة إلى مناطق معينة من البلاد تتسم بالتوتر أو العنف، فهي لا وجود لها في قاموس جهاز الأمن العام الأردني... فالأمن العام يمتلك من الإمكانيات والكفاءة ما يجعله قادرًا على تفتيت أي توتر، بغض النظر عن المكان أو الظروف... وتثبت الانتخابات الأخيرة أن الجهاز قد تجاوز هذه المصطلحات، فكل منطقة من المملكة، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها تتلقى نفس المستوى من الاهتمام الأمني والحماية الفعالة.
لقد تابع الأردنيون، بكل فخر واعتزاز، كيف تعاملت الأجهزة الأمنية، بقيادة جهاز الأمن العام، مع مختلف مراحل العملية الانتخابية... بدءًا من فترة الدعاية الانتخابية التي عادة ما تشهد نوعًا من الحراك السياسي، إلى يوم الاقتراع الذي يمثل الذروة في التحديات الأمنية، وصولًا إلى ما بعد إعلان النتائج وما قد يتبعها من ردود فعل متباينة من المرشحين والناخبين... ففي كل هذه المراحل، أظهر رجال الأمن العام حنكة واحترافية في التعامل مع كل موقف على حدة، مما ساهم في تقليل الخسائر وتجنب تصعيد أي توتر قد ينشأ.
ورغم تنوع التركيبة الاجتماعية والجغرافية في الأردن، إلا أن جهاز الأمن العام كان على قدر المسؤولية في توفير الحماية لكل المواطنين دون استثناء، ودون النظر إلى خصوصية أي منطقة أو تحدياتها... فقد تواجدت القوات الأمنية في كل مكان، لتبعث برسالة طمأنة مفادها أن الأمن للجميع، وأن لا شيء يمكن أن يعكر صفو العملية الديمقراطية.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال دور جهاز الأمن العام في التعامل مع الشغب أو الاحتجاجات المحدودة التي نجمت عن استياء بعض المرشحين أو الناخبين من نتائج الانتخابات... وبعيدًا عن الأساليب التقليدية التي قد تعتمدها بعض الأجهزة الأمنية في مواجهة مثل هذه الحالات، اعتمد جهاز الأمن العام الأردني على استراتيجيات متعددة توازن بين الحزم والاحتواء... فلم يكن الهدف مجرد السيطرة الأمنية، بل تحقيق الاستقرار المجتمعي والحد من أي تداعيات قد تؤثر على نسيج المجتمع الأردني المتماسك.
وقد تميزت قوات الأمن العام بالمرونة في التعامل مع هذه الحالات، فبينما كان الحزم مطلوبًا في بعض المواقف لفرض هيبة القانون، كان الحوار والاحتواء هو الأسلوب الأمثل في مواقف أخرى لتهدئة النفوس... وتعتبر هذه المرونة جزءًا من الاستراتيجية الشاملة التي يعتمدها الجهاز، والتي تقوم على فهم دقيق لطبيعة المجتمع الأردني وخصوصياته الاجتماعية والسياسية... وبالتالي، فقد أظهرت الانتخابات الأخيرة أن الأمن العام قادر على التعامل مع أي إفرازات سلبية للعملية الانتخابية، مهما كان حجمها أو نوعها.
إن النجاح الذي حققه جهاز الأمن العام في السيطرة على الأوضاع الأمنية خلال الانتخابات وبعدها ، والتحكم في كل تفاصيلها دون أن يسمح لأي موقف بالتصعيد، يعكس مدى التطور الذي وصل إليه هذا الجهاز في استخدام التقنيات الحديثة وأساليب العمل الاستخباراتي الفعّال... فالتخطيط الجيد والاستعداد المسبق كانا جزءًا من سر هذا النجاح، وهو ما جعل الجهاز قادرًا على التحرك بسرعة فائقة في مواجهة أي تحدٍ أمني.
ولا شك أن استخدام التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الأوضاع الأمنية، وتنسيق الجهود بين مختلف الأقسام الأمنية والاجهزة الأمنية الأخرى ، كان له دور كبير في تمكين جهاز الأمن العام من التصرف بفعالية وسرعة في حالات الطوارئ... فقد تم استخدام أنظمة المراقبة، والكاميرات المنتشرة و(طائرات درونز ) وغيرها من التكنولوجيا الأمنية الحديثة في مختلف أنحاء المملكة، لرصد أي تحرك مشبوه أو تجمهر قد يؤدي إلى إحداث اضطرابات... وكان هذا الرصد الدقيق للأوضاع جزءًا أساسيًا من خطة الأمن العام في السيطرة على الأوضاع قبل تفاقمها.
إلى جانب ذلك، لعبت الجهود الاستخباراتية للجهاز والاجهزة الأمنية الأخرى دورًا محوريًا في الكشف عن أي نوايا للتأثير السلبي على العملية الانتخابية... فقد كانت المعلومات الاستخباراتية تُجمع بشكل متواصل، لتساعد القيادة الأمنية في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب... هذا النوع من العمل الوقائي، الذي يسبق التدخل الميداني، هو ما يجعل جهاز الأمن العام الأردني من بين أكثر الأجهزة الأمنية كفاءة في المنطقة لا بل في العالم... فبدلًا من انتظار حدوث المشكلات ثم التعامل معها، يعتمد الجهاز على استباق الأحداث والتصرف قبل أن تتطور الأمور.
الأمر الآخر الذي يستحق الإشادة هو التنسيق والتعاون الوثيق بين جهاز الأمن العام وباقي المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني... فقد كان هناك تكامل في الأدوار بين مختلف الجهات لضمان نجاح العملية الانتخابية في بيئة آمنة ومستقرة... وهذا النوع من التعاون يعكس مدى الوعي الجماعي بأهمية الحفاظ على الأمن كأولوية وطنية... فالمسؤولية الأمنية لا تقع فقط على عاتق جهاز الأمن العام، بل هي مسؤولية جماعية، يشترك فيها الجميع لتحقيق المصلحة الوطنية العليا.
في نهاية المطاف، لا يمكن إلا أن نوجه الشكر العميق لجهاز الأمن العام الأردني ومنتسبيه وبقية الاجهزة الأمنية، على كل ما بذلوه من جهود استثنائية خلال الانتخابات البرلمانية... إن ما أظهروه من احترافية في التعامل مع كافة مراحل الانتخابات، وما بعدها، يؤكد أن الأمن في الأردن ليس مجرد واجب وظيفي، بل هو رسالة وطنية يضطلع بها رجال الأمن العام وأجهزتنا الأمنية الأخرى بكل تفانٍ وإخلاص.
وفي ظل هذه الإنجازات الأمنية، يبقى الأردن نموذجًا يحتذى به في المنطقة، كدولة قادرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها، مهما كانت التحديات... فلا توجد مناطق عصية، ولا يوجد وضع خارج عن السيطرة. فالأمن العام أثبت مجددًا قدرته على مواجهة أي موقف، مهما كان معقدًا، بكل كفاءة واحترافية.
هذا النجاح لا يعزز فقط ثقة المواطنين بجهازهم الأمني، بل يعكس أيضًا صورة إيجابية للأردن على المستوى الدولي، كدولة تتمتع بأجهزة أمنية قوية وقادرة على حماية ديمقراطيتها واستقرارها...فمن التخطيط الى التنفيذ ... نجح الأمن العام في إدارة العملية الأمنية للانتخابية البرلمانية بكفاءة وفاعلية واقتدار ونجاح... وللحديث بقية..