يعيش العالم اليوم على وقع الذكرى الأولى "لطوفان الأقصى المجيد " ، هذا الحدث الذي غير مجرى الواقع المعاصر، قادها صفوة من ابناء هذه الأمة الإسلامية يحفظون كتاب الله ويرجون لقاءه، كانوا اهل عزمات لا رخص، واستقبلوا وحدهم ما استدبره الجميع ودخلوا على العدو ففتح الله لهم فتحا عظيما، لقد فسرت هذه الصفوة قوله تعالى: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) تفسيرا عمليا من خلال الامكانات العسكرية والاعلامية والسياسية التي فاقت توقعات وقدرات العدو الغاشم، وما زالت صامدة حتى عام كامل، بعد هذا كله يقف المرء حائرا وكانه امام ضرب من الخيال الواسع او امام مشهد قصصي من شده هذا الثبات حتى يومنا هذا ، كل هذا نتيجة ايمانهم الصادق والعقيدة الراسخة المستمدة من هذا الدين الحنيف
لقد دونت تلك المقاومة فصلا جديدا من فصول كفاحها من خلال تحطيمها الأسطورة المزعومة ان الدولة الصهيونية دولة لا تقهر ، فبينت للعالم هشاشة ذلك العدو وضعفه وان سبب تغطرسه ما هو الا بسبب ضعف العرب والمسلمين وتخاذلهم وتفرقهم وصمتهم الذي ما زال سيد المشهد، وكشف ظلم هذا العالم المتحضر الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان ثم لا يعترف بها عندما يكون الإنسان عربيا او مسلماً
لقد عمل الطوفان بفضل الله على إعداد القاصي والداني إعداداً نفسياً أسقط خلاله هيبة العدو الغاصب ومن يقف وراءه ويدعمه في السر والعلانية ، وجعل الجيل القادم من الفتيان والشباب يعشقون ما يرونه من بطولات المجاهدين ويتمنون المشاركة في هذه الملاحم والمعامع.
لقد نجحت المقاومة في استرجاع انموذج القدوة الصالحة التي افتقدته اجيال اليوم، حتى بات "أبو عبيدة" رمزا مؤثرا عالمياً و أصبح أيقونة للمقاومة، ورمزا للعزة والشموخ، والجميع باتوا ينتظرون ظهوره ويحرصون على الاستماع لخطابه العربي الفصيح والمتزن الذي اعاد للعربية تصدرها في زمان تخلى عن اللغة اهلها
لقد اعاد السابع من اكتوبر القضية الفلسطينية الى دائرة الضوء بعدما كان يخطط العدو الصهيوني القضاء على القضية الفلسطينية وانهائها ، فجائت المعركة كضربة موجعة على العدو واعوانه ممن آمنو بصفقة القرن، وفي ذات السياق أحيا في نفوس الأمتين العربية والإسلامية الأمل في التحرير وإنجاز وعد الله المنتظر، وذكر شبابها وشيوخها بقضيتهم وعدوهم، فذلك الجيل الذي نشأ وترعرع بعد اتفاقيات السلام وأوسلو هو الآن الذي يخوض المعركة ضد أوهام العدو، واصبح يملك خلفية كبيرة عن قضيته وامته بعد ان كان لا يعرف من القضية الا اسمها فقط
لقد اصبحت غزة بفضل الله ملهمة للامة بل للبشرية جمعاء، لقد وجدوا فيها مدرسة في الاعداد والتخطيط ، وعمل الطوفان أيضا على زيادة الجرعة الايمانية لدى ابناء الامة، مثلما جعل غير المسلمين يدخلون في دين الله أفواجاً
وبعد عام كامل لا تفكروا بيوم النصر فهو آت لا محاله، ولكن اعملوا لتكونوا من صناعه، كلُّ يعمل على ثغره واختصاصه، فإن تحرير القدس وهزيمة الصهاينة وعد الله القادم (يسالونك متى هو قل عسى ان يكون قريباً) فيا ايتها الصفوة من هذه الامة على درب هؤلاء فامشوا حتى لا يفوتكم درب التحرير الذي شقّوه "والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون"