حدثني أحد المتابعين لمقالاتي من خارج المحافظة بأنه قبل سنوات دعي على وليمة لأحد الأشخاص ، حيث دعاه عندما كان يصلي في المسجد لحضور وليمة يقيمها عن روح والده ، فلم حضر للبيت شعر أن الأجواء متوترة والضيوف يجلسون لوحدهم في غرفة مجاورة ولا يوجد عندهم المعزب أو أي أحد ، وأضاف بعدها بدأ الصراخ في المطبخ بين الزوج وزوجته وكنا نسمع صراخهما و شجارهما و كانت تقول لزوجها:" أنا مش مجبورة أدفع من راتبي ، هذه أول مرة وآخر مرة تعزم ، أنا مش مجبورة أعمل غذاء عن روح والدك حتى يدخل الجنة " .
وكان يرد عليها:" لا تفضحينا أمام المدعوين يا حرمة ، خلص أنا بدفع ثمن الأكل هلا بحكي مع أخي يحضر الك المصاري يا سويدة الوجه " وقتها ترد عليه :" ما غيرك سويد الوجه هم إلي عازمهم ما ألهم نسوان يطبخن لهم " .
يضيف المتابع قائلا :" بعدها لا نسمع إلا الضجيج و الأواني وكأن الزوجين أشتبكا (وقامت القرعة على أم قرون) !!!!!!ويقول أنه ما كان إلا من أحد المدعوين بالقول لهم : أهربوا يا جماعة!! أعطوهم أظهوركم يالنشامى خلينا نغادر قبل ما تولع...!!!! ويضيف ، غادرنا سريعاً و لحق بهم المعزب لأرجاعهم وقتها أعتذروا له بعدم الرجوع بعد أن( قامت القرعة على أم قرون) !! والتمسوا له العذر بأنه متزوج أمرأة شيطانية بخيلة لا تقدر الضيوف ولا تكرم الناس وعلم أن سبب المشكلة هي أن الزوج طلب من زوجته تعطيه بعض النقود حتى يعطيهن لصاحب الطعام الذي تكفل بشرائه وطبخه .
بالمقابل دأبت والدتي ووالدي على عادة حسنة و هي أن لا يشعران الضيف الذي يأتي لبيتنا أن وجبتي الغذاء أو العشاء من أجله بذريعة لعدم إحراج الضيف ولكي يأكل من طعامنا من نفس( رغبة) إن جاز التعبير ، مغايراً لبعض ما تفعله النساء شو جيبه إحنا وضعنا الإقتصادي صعب مش حاسبين حسابه ، الأكل قليل وغيرها من مسميات رغم أن البعض دخله يتجاوز الألف دينار .
كانت والدتي - رحمها الله - تجلس مع زملائي الذين يفدون إلى بيتنا وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم عندما يفقدون والديهم ، وتبكي وتشعر بالحرقة عندما يقوم زميلي بالشكوى لها من زوجته التي تثقل عليه ، فقد كانت تغضب وتطلب من زميلي رقم هاتف زوجته وتقوم بنصحها للتخفيف على زوجها قائلة :" يا ويلك من رب العالمين، هذا يتيم مثل إبني إذا بتغضبيه كأنك مزعليتني، ربنا راح يرضى عليك إذا قمت بطاعة زوجك وسوف يعذبك إذا عصيتيه وكانت تتكلل محاولاتها بالإصلاح بين الزوجين .
كما كانت تحث زملائي على إحترام والديهم وطاعتهم وكانوا يقولون :" لو والدينا على قيد الحياه ما كانوا أن يهتموا لنا كما تهتم والدتك بنا ، يا يوسف !!! وعندما توفيت ذرفوا عليها الدموع حتى أن البعض على المقبرة أستغرب بكاء بعض الأصدقاء من عشائر أخرى لا يرتبطون معنا بالقرابة ولا بالنسب و عندما يسألونهم، يقولون :" الحجة -رحمها الله- كانت بمنزلة الوالدة لنا وكنا عندما نبيت عند زميلنا يوسف تتفقدنا بالليل وتضع الأغطية علينا خشية من البرد " .
كما أنهم بعد وفاتها أصبحوا يذكرون كرم الوالدة لابنائهم وزوجاتهم وللأقارب عندهم حتى يقتدوا بوالدتي- رحمها الله - فقد كانت تتعمد عمل وجبة العشاء للأصدقاء والزملاء الذين كانوا يأتون عندنا للبيت من أجل التسلية والتزاور ، رغم أنهم يقولون لها:" يا حجة أم محمد إحنا جايين نشرب كاسة شاي فقط لا تغلبي حالك" ومع ذلك الوالدة تصر على أكرامهم....
دأبت والدتي - رحمها الله - عندما نضحي في عيد الأضحى المبارك أو عندما نذبح العقيقة وغيرها إلى أخذ المعلاق (الكبدة وتوابعها) وتخفيه عنا لإعطائه لإمرأة محتاجة مثل الضريرة و النفساء و الحامل وغيرها كما جرت العادة ، مع أننا فقراء ولا نتناول اللحم إلا نادراً ، كما كانت تجمع البيض البلدي و تذهب به للمرأة المريضة وغيرها والأطفال المرضى حسب المناسبات رغم أننا في ذلك الوقت بحاجة لبيض الدجاج .
وأذكر عندما أخبرت والديَّ قبل( ٢٥) سنة في أول سنة أدرس فيها في الجامعة أن هنالك زميلين يدرسان معي في الجامعة بصدد زيارتنا إلى البيت ، ابدى والديَّ - رحمهما الله - فرحهتما و شاهدتهما يبتسمان فلم يُظهرا انزعاجهما ، كوننا في ذلك الوقت فقراء وتكاد والدتي أن توفر مصروف الدراسة ومع ذلك ذبح والدي جدي الغنم الوحيد للزميلين آنذاك ،حيث كانت والدتي تطعم الجدي بيدها حتى نبيعه على الفصل الدراسي الثاني لتغطية رسوم الدراسة ومع ذلك ذبحناه لإكرام الضيوف.... !!!