ما بين كل كلمة ننطق بها وقرار نتخذه، تكمن نية خفية تزيّن قلوبنا أو تُشينها. النوايا كالزرع الصغير، نغرسه في قلوبنا دون أن يراه أحد، لكنه ينمو ويثمر في حياتنا، فيفتح لنا أبواب الرزق والخير بطرق لا نتوقعها. فالنية الطيبة الصادقة تمتلك قوة خفية تُحرك الكون، تجلب البركة، وتحقق للإنسان ما لم يكن يحلم به. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، مشيرًا إلى أن النية هي البوصلة التي تحدد مسارنا ونتائج أفعالنا، فما نحن إلا ثمار نوايانا.
ويروى عن الإمام مالك رحمه الله أنه استقبل رجلًا جاء يسأله عن مسألة دينية. شعر الإمام بحاجة الرجل لرزق يرفع من شأنه، فنصحه قائلاً: "يا بني، اعقد نيتك على طلب العلم؛ ففيه نور ورزق وبركة." لم يتخيل الرجل أن العلم قد يكون رزقًا يُغير حياته، لكن بنصيحة الإمام الصادقة، بدأ يتعلم ويجتهد حتى صار من كبار العلماء، وعادت عليه النية الطيبة برزق لم يكن ماديًا فقط، بل مكانة وكرامة في قلوب الناس.
النية ليست مجرد رغبة، بل هي قوة هائلة تُحرك القلب، وتستجيب لها الأرض والسماء. فالنوايا الصادقة تجلب البركة وتكون سببًا للنجاح. ومن ينوي الخير يناله، ومن ينوي الصدق يُحيط به الصدق، ومن نوى في عمله إخلاصًا لله، كتب له التوفيق. حتى في أبسط الأمور، كابتسامة عابرة، يمكن أن تتحول إلى مصدر خير بنية صادقة.
كذلك قال العلماء إن النية قد تكون رزقًا خفيًا، إذ لا يقتصر الرزق على المال أو الصحة أو المكانة، بل يمكن أن يكون علمًا أو طمأنينة أو محبة. كل هذا رزق يُساق إلينا حسب نقاء نوايانا.
فالنية نور خفي يُضيء لنا ما لا نراه، يبدل الحزن فرحًا، ويفتح الأبواب المغلقة، ويجعل حياتنا سلسلة من البركات. ازرع نيتك طيبًا خالصًا، فهي كالبذرة، تُثمر ولو بعد حين.