لقد مرت على الأردن خلال المئة عام الماضية أحداث وتقلبات سياسية واقتصادية نتيجة موقعه الجيوسياسي حيث خلفت حروب وأزمات وتحديات خلقت جميعها صلابة ومنعة لدى الوطن على إمتداد جغرافيته ،هل سأل أحدكم عن سبب هذه الصلابة والمنعة ؟ الجواب هو أن المملكة الأردنية الهاشمية قامت على ركائز ثلاثة وهي خط أحمر للجميع،وهذه الركائز هي القيادة الهاشمية والجيش العربي المصطفوي والشعب الأردني المتلاحم بنسيجه المتنوع وعلى رأسه العشائر الأردنية. فالقيادة الأردنية الرشيدة هي صمام أمان لإدارة دفة الوطن نحو الآمان والازدهار والتقدم ، والعلاقة الروحية التي تربط الهاشميون بالجيش هي متأصلة ومتجذرة منذ تأسيس الدولة وهذا الجيش هو من صلب أبنائه الذين إعتزوا بقيادتهم ووطنهم ويبذلون الغالي والرخيص من أجله، ولم تنس الأردن قيادة وشعبا فلسطين الحبيبة ،فقد حارب الجيش الأردني في فلسطين وقدم الشهداء الأبطال في القدس والليطرون وباب الواد والشيخ الجراح وعلى رأسهم الجد المؤسس عبدالله الأول الذي استشهد على عتبات المسجد الأقصى ،واقتسم الأردن أيضا لقمة العيش مع إخوته في فلسطين ولم يبخل عليهم بشيء،وتسيدت القضية الفلسطينية السياسة الأردنية الخارجية كونها القضية الأولى له على إمتداد العقود السابقة، كل ذلك ليس منة منه ،بل هو حبا لتوأمه الفلسطيني ومن مبدأ العروبة والدين.
إن المتغيرات المتسارعة والتي عصفت في منطقتنا خلال الفترة الماضية وبالتحديد بعد السابع من أوكتوبر خلطت الأوراق جميعها الإقليمية والدولية وبدأت تظهر أصوات نشاز تغرد خارج السرب ، بقصد او بدون قصد ،تخدم أجندات خارجية وتمس بالسيادة الأردنية،فالأردن عندما وقع إتفاقية سلام وقعها بعد أن وافق الأخوة الفلسطينيون والعرب عليها حيث كان على رأسهم الشقيقة مصر والفلسطينون أنفسهم والممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين آنذاك، ثم وقعت الأردن هذه الإتفاقية، وتم ترسيم الحدود الأردنية من الجهة الغربية وحصوله على حقوقه كاملة.
إن قيام حرب غزة وحجة إسرائيل بأنها تريد القضاء على المقاومة في غزة لأنهم إرهابيون واقنعت حلفاءها وعلى رأسهم الولايات المتحدة وسممت افكار الصحافة الغربية لا وبل العالمية بذلك، دفعت بالأردن بقيادته الهاشمية للتصدي لكل تلك المحاولات وغيرت السردية الإسرائيلية بالكامل، وتصدرت زيارات وخطابات ومقالات جلالة الملك لدول العالم في المنابر والصحف والمحافل الدولية، في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وقضيتهم للوصول إلى الأفق السياسي المتمثل في حل الدولتين بقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967وعاصمتها القدس الشرقية مع الوصايا الهاشمية على المقدسات الإسلاميةوالمسيحية ، ولا ننسى في هذا السياق مقابلات جلالة الملكة رانيا المؤثرة والتي تحدثت عن إزدواجية الغرب في التعامل مع القضية الفلسطينية.
لقد وجه جلالة الملك بوصلة العالم نحو فلسطين وجميع الجهود السياسية صبت في هذا الإتجاه، وكسر الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة بنفسه عندما خاطر بحياته وألقى بالمساعدات الإغاثية والدوائية والغذائية من طائرة نسور سلاح الجو الملكي الأردني التي كان بداخلها وحلقت فوق غزة ،وتبعها الأمراء الهاشميون والجيش الأردني الذي فتح جسرا جويا لغاية هذه اللحظة لإلقاء مئات الأطنان من المواد الطبية والإغاثية والإعاشية والعلاجية، إضافة الى تسيير الحافلات البرية المحملة بجميع تلك المواد السابقة ، والمستشفيات الميدانية في الضفة الغربية وغزة والدعم المادي للأونوروا. كل ذلك لا يعجب من كان يتاجر في القضية الفلسطينية لكسب مكاسب إقليمية او حزبية او شخصية شعبوية لأنه لم يبق له أي دور بعد هذا الدور الأردني .
إن التعقيدات في الوضع الحالي وضبابية الموقف العالمي جعلت من إستهداف الأردن هدفا تتلاقى معه إسرائيل مع المتاجرين على حساب القضية الفلسطينية، فالسياسة الأردنية الخارجية والتي يرأسها جلالة الملك التي تعمل ليلا ونهارا هي سياسة محترفة ومتمرسة تقيم الأخطار والمتغيرات بإتزان وتستخدم اللغة التي يفهمها الغرب،لذلك أوجه رسالة لجميع من يظنون أنفسهم بأنهم يخافون ويحرصون على الوطن ويحرضون في الداخل للعب على العواطف والمشاعر ،أقول لهم لديكم قيادة هاشمية حكيمة وجيش وأجهزة أمنية قادرة على حمايتكم إذا كنتم تخافون على حياتكم فمعركة الكرامة شاهدة على ذلك ،أما الوطن فيحميه تلاحمكم مع القيادة والجيش.
الخبير والمحلل الإستراتيجي والإقتصادي المهندس مهند عباس حدادين.