كتب الأستاذ الدكتور ايمن البراسنة في العلوم السياسية بالجامعة الأردنية أيمن البراسنة حول الهوية الأردنية:
إن تسليط الضوء على الهوية الوطنية الاردنية يترافق مع المناخ السياسي العام والمعقد الذي تشهده المنطقة. الهوية الوطنية بشكل عام هي عنوان سياسي عميق تتجسد مفاهيمه بالتركيز على منظومة متكاملة من العناصر المادّية والمعنويّة والاجتماعية تتضمن نسق من التكامل بين الفرد والدولة. وتتعزز هذه الهوية بعدد من الخصائص الحضارية المشتركة والتي تشتمل على الجغرافيا، واللغة، والدين، والتراث، والعادات، والتقاليد، ووحدة المشاعر، وغيرها، بناء على ذلك يمكن القول ان الهوية الوطنية الاردنية ترسخت عبر الزمن والاجيال وتبلورت عبر الاجماع الوطني واتسمت بمميزات القوة والتطور وقبول التنوع والاستيعاب للثقافات الاخرى على اختلاف تنوعها، حيث هناك خصائص تتعلق بالهوية الاردنية من ضمنها الهوية العربية حيث نص الدستور الاردني صراحة على عروبة الاردن "المملكة الاردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة" حيث ان الشعب الاردني هو جزء من الامة العربية ويرتبط الاردن بروابط ثقافية ولغوية مع الدول العربية ناهيك عن وحدة الدين والتاريخ والامال والمصير المشترك. لقد كانت الدولة الاردنية في بدايات عهدها تسمى "حكومة الشرق العربي" واطلق على الجيش اسم الجيش العربي. ترتبط الهوية الاردنية ايضا بالابعاد الثقافية التي تتعلق بالعادات والتقاليد والقيم الاسلامية اذ نص الدستور على ان "الاسلام هو دين الدولة"
.
اما البعد الانساني فكان حاضرا على الدوام في نسيج الهوية الوطنية الأردنية حيث يعلي الأردن من احترام الآخرين والتعامل معهم بروح الأخوة والإنسانية واحترام ثقافة وخصوصية الآخرين واحترام الكرامة الإنسانية لكل فئات ومكونات الشعب الأردني .
هناك بعد آخر من ابعاد الهوية يتعلق بالمواطنة التي تعتبر رابطة قانونية بين الفرد والدولة وبموجبها يكون للفرد حقوق يتمتع بها وواجبات يتعين عليه القيام بها تجاه الدولة. فالدولة تكفل قيم المواطنة وتعزز من سيادة القانون، الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم على أساس العرق أو اللغة أو الدين.
مكونات الهوية الوطنية الاردنية لم تبقى حبيسة الابعاد والمنظورات الفكرية بل انعكست في مواقف واتجاهات وممارسات اردنيين على ارض الواقع وبشكل مستمر. يتجلى ذلك بالتفاعل مع الاحداث والتفاعلات الاقليمية حيث اظهر الاردنيون مواقفهم الواضحه تجاه مختلف الازمات التي عصفت بالمنطقة بروح ايجابية قوامها الدفاع عن الاردن وهويته ومصالحه الحيوية، الوحدة الوطنية عززت من صمود الأردن في وجه عاصفة الربيع العربي، والوقوف في وجه المطامع الإسرائيلية، حيث تعامل الاردن مع الاحداث السياسية في المنطقة وتداعياتها بكل مسؤولية وحزم وبخاصة موقفه الوطني والقومي الثابت تجاه القضية الفلسطينية. اذ يحرص الاردن الرسمي والشعبي على رفض اي سيناريو مطروح لتهجير الشعب الفلسطيني والتسبب بنكبة ثانية بعد عام 1948. ولذلك يطالب الاردن على الدوام بالاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وبوقف الحرب على غزة ووقف التصعيد في الضفة الغربية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. الاردن كدولة ذات هوية عميقة وضاربة في القدم جعلت الاردن في موقع متقدم في المنطقة كلاعب رئيسي ومهم في جهود السلام والتعاون في حل النزاعات وارساء دعائم الاستقرار في المنطقة، تجلى ذلك في القمة العربية الاسلامية المشتركة غير العادية في الرياض حيث شدد الملك على رفض استمرار العدوان على غزة وكسر الحصار عبر تعزيز خطة الاستجابة الانسانية، لافتا الى ان عدم قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته ادى بحكومة نتنياهو الى التصعيد في غزة والضفة وشن حرب على لبنان ايضا. هذه هي الهوية الوطنية الاردنية التي تراعي الابعاد القومية والانسانية في سياسته الخارجية.
التماسك الاجتماعي وقوة الروابط التي تربط الشعب الاردني مترافقة مع قيم التضامن والتكافل والاخلاص للوطن، هذه التفاعلات تتجلى في ممارسات الاردنيون وبشكل مستمر لتظهر كمنهج حياة تستلهم عبق التاريخ والموروث الثقافي والتاريخي والحضاري الذي يميز الاردن عبر مسيرته الطويلة.
ساهمت الهوية الوطنية الأردنية وعبر عدة عقود في تشكيل مواقف قوية عززت استقرار الأردن وصلابته وشكلت رافعة أساسية لتحركات الأردن على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى الرغم من التحديات والظروف المحيطة في اقليم ملتهب، إلا أن الأردن استطاع وعبر تشبثه بهويته الوطنية الصمود امام الاحداث السياسية المختلفة؛ لذلك فان تعزيز الهوية الوطنية، وحماية وحدة المجتمع الأردني وتماسكه، والتمثيل العادل لفئات المجتمع الأردني هي ركائز اساسية قامت عليها الدولة الأردنية التي تعمل بكل مؤسساتها وهياكلها ومجتمعها المدني على حمايتها باستمرار، فالهوية القوية المتماسكة هي إثراء حقيقي للنموذج الديمقراطي الوطني الاردني.
الأستاذ الدكتور في العلوم السياسية بالجامعة الأردنية - أيمن البراسنة